يشخص الدكتور مهندس خالد عبدالعزيز الطياش واقع مباني المدارس الحكومية وعدم ملاءمتها احتياجات العملية التعليمية وتطبيق استراتيجيات التعليم الحديث، ويرى الطياشي أنه لا بد من التركيز في الكيف بجانب الكم عند الشروع في إنشاء المدارس. «الرياض الاقتصادي» تتناول بإسهاب دراسة الدكتور الطياشي.. وإلى التفاصيل. مباني المدارس اهتم الدين الإسلامي بالعلم وشجع المسلمين وحثهم على التعليم واكتساب العلم والمعرفة كهدف أساسي في حياة كل مسلم، ودل كثير من الآيات القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، واعتبر التعليم واحداً من أهم متطلبات الدعوة الإسلامية، وأسس المصطفى عليه الصلاة والسلام مسجده في المدينةالمنورة ليكون مكاناً للصلاة ولنشر أصول الدين الإسلامي ومبادئه ولتعليم المسلمين أصول القراءة والكتابة، وهو بهذا المفهوم يعتبر المدرسة الأولى لنشر العلم في العالم الإسلامي، وتطورت بعد ذلك لتكون مراكز لتعليم الصغار القراءة والكتابة والدين والحساب والنحو وتحفيظ القرآن بالدرجة الأولى التي عرفت فيما بعد بالكتاتيب وانتشرت انتشاراً واسعاً في العالم الإسلامي وتحولت فيما بعد إلى مدارس في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي حيث تم اطلاق كلمة (مدرسة) أول مرة على البناء المنفصل والمخصص للتعليم. ولقد اتفق علماء الصحة والاجتماع وعلماء النفس والتربويون والأطباء على أهمية وتأثير البيئة المدرسية في الطفل وشخصيته، فمثلاً يقضي تلميذ أو تلميذة المدرسة الابتدائية حوالي خمسة آلاف وخمسمائة ساعة من حياته في المدرسة بالاضافة إلى أنه خلال تلك الفترة ينمو ويكبر وتتغير تبعاً لذلك أشياء كثيرة سواء من الناحية العضوية أو النفسية أو الفسيولوجية، ففي المجتمعات المتقدمة تقوم كثير من الدراسات والأبحاث للوصول إلى الصيغة المثالية والناجحة لتوصيل التعليم الحديث إلى متلقيه، وتقريب المسافات بين النظريات والمثاليات من جهة والواقعيات من جهة أخرى، فلقد تغيرت كثيراً العلاقة بين المدرسة والطالب والطالبة عن السابق ومازال قطار التغيير يسير بهدف الوصول إلى صيغة توافقية وموائمة تمنح المتلقي والمتمثل في الطالب أو الطالبة ما يهدف إليه الملقي بأسرع السبل وأقدرها على تثبيت المعلومة في الذهن وجعل التعليم بكامل أوجهه جزءا من حياة الطالب أو الطالبة، ومحاولة إزالة فكرة أن التعليم حمل كبير يجب الانتهاء منه سريعاً بغض النظر عندما يحقق من أهداف. إن نظم التعليم الحديثة تبحث عن الوسائل الناجحة لتوصيل رسالة التعليم التي يختلف مكنون هذه الرسالة من مجتمع إلى آخر، والمعتمدة أساساً على التحيلات الأساسية الكمية والنوعية لهذا المجتمع والمبنية على تعاليم الدين والعادات والتقاليد وأسلوب حياة المجتمع وقيمه ومبادئه والنظرة المستقبلية التي يرسمها قادته حضارياً وتنموياً واقتصادياً، التي على ضوئها تتحدد الأهداف التعليمية والتربوية بحسبان أن المدرسة جزء من المجتمع ينبع منها توجهه سلباً أو إيجاباً بعد الأسرة. يعد عام 1344ه نقطة البداية للتعليم الحديث في المملكة العربية السعودية حيث أنشئت فيه مديرية المعارف التي شكلت النواة الأولى لوزارة المعارف، التي أتت لاحقاً عام 1373ه والتي يقع على عاتقها كل ما يتعلق بتوفير عناصر العملية التعليمية الرئيسية الثلاثة، وهي: المنهج الدراسي، والمعلم، والمبنى المدرسي، اضافة إلى أسلوب ونمط الإدارة لتلك العناصر وتحت الضغط للعدد المتزايد من الطلبة والطالبات الذين هم بحاجة إلى مقاعد دراسية، وعدم تمكن مدة تنفيذ مباني المدارس من مجاراة الحاجة إلى تلك المباني كانت معظم الحلول تتلخص في اتجاهين الأول كان استئجار مبان قائمة سكنية أو مكتبية وتحويلها إلى مدارس كحل مرحلي مؤقت، والثاني بناء عدد كبير من المباني المدرسية في زمن قياسي وضمن اعتبارات اقتصادية محددة حيث أفرز الاتجاه الثاني ظاهرة نماذج المدارس التي تصممها الوزارة لتنفيذها في أي مكان من دون اعتبار لمتطلبات الموقع والبيئة، ووضع المجاورين ومواد البناء، وطبيعة المنطقة المناخية، ونمطها المعماري، وهذا أوجد كثيراً من السلبيات التصميمية المعمارية والتنفيذية والعملية التي انعكست لاحقاً على قصور في أداء معظم مباني المدارس، أدت إلى محدودية تحقيق أهداف واستراتيجيات وطرائق ووسائل التعليم الحديث ومن أهمها: 1) ترتكز سياسة التعليم على عدة محاور من أهمها: البيئة التعليمية والمقصود بها المبنى المدرسي، والتجهيزات بداخله، حيث يجب أن تتوافر في هذه البيئة عدة معطيات تحقق الهدف من التربية والتعليم ومواكبة التطوير الحاصل في مجال تقنية وسائله، فرغم إنشاء مبان تعتبر حديثه من منظورها العام إلا أنه يوجد بها بعض السلبيات التي تؤثر في سير العملية التعليمية وعدم تحقيق الهدف المنشود من وراء تطبيق استراتيجيات التعليم الحديثة؛ لعدم مواكبتها استخدام تقنيات التعليم المبتكرة، سواء في مجال محدودية الأماكن المخصصة لتلك التقنيات، أو القصور في تشغيلها، وافتقار المبنى منذ إنشائه للقنوات الإلكترونية والكهربائية ووسائل التواصل الحديثة الأخرى، فمع استحداث العديد من الأنشطة التربوية والتعليمية الحديثة نجد أن معظم تلك المباني المدرسية لا تحتوي على العناصر والفراغات المعمارية اللازمة لإقامة وتفعيل تلك الأنشطة. 2) نتج من تطبيق نماذج المدارس في العديد من المواقع من دون مراعاة طبيعة الموقع من حيث الشوارع المحيطة وموقعه بالنسبة إلى الحي السكني وطبوغرافية الموقع ووضع المجاورين حول الموقع إلى تحديد حدوده في نطاق قد يكون عائقاً في إمكانية توسعه في المستقبل واستحداث مبان جديدة تحتاجها المدرسة مستقبلاً؛ لتواكب ما يستحدث في مجال التعليم الحديث ووسائله وتقنياته لذا فمعظم مباني المدارس تعاني عدم وجود المرونة المساحية الكافية لتقبل ذلك التغيير وتلك المستجدات في مجال التعليم. 3) تمتاز معظم مخططات نماذج المدارس الحكومية ببساطة تصميمها وسهولة قراءة فكرة تكوينها وخلوها من أي تعقيدات تنفيذية يمكن أن تشكل صعوبة على مقاولي التنفيذ، إلا أن معظم تلك المباني تعاني بعد فترة وجيزة استخدامها إلى قصور في أدائها الوظيفي وكثرة أعطال خدماتها خصوصاً في مجال الكهرباء والسباكة والعزل المائي والتسربات وطفح المجاري، وهذا ما يتطلب سرعة اجراء الترميم لها بين الحين والآخر، ويرجع ذلك إلى تدني مستوى المقاولين المنفذين وعدم كفاءتهم، اضافة إلى محدودية امكانية الجهاز الاستشاري المشرف على التنفيذ. 4) يعتمد اسلوب التعليم الحديث في وقتنا الحاضر على التقنية ووسائل الايضاح والعرض المتطورة، والمعتمدة على التكنولوجيا، ويؤدي الكمبيوتر والانترنت دوراً أساسياً في المستقبل القريب للتعليم وفي مراحل مبكرة، من هنا يظهر مدى الحاجة إلى مثل هذه التجهيزات لاتمام العملية التربوية والتعليمية بأفضل صورها، كما للاثاث المدرسي تأثيره الكبير في الطالب والطالبة والمتمثل في التصميم الداخلي للفصل ونوعية مقاعد الدراسة وألوان الحوائط والاجهزة الايضاحية ونظام الاضاءة والتكييف وللجهاز الاداري في المدارس فعاليته في ربط المدرسة بالوزارة، وبأولياء أمور الطلبة والطالبات، وكلما كان هذا الجهاز متمكنا ويضم العناصر البشرية ذات الكفاءة وتوفر له التجهيزات اللازمة ووسائل الاتصال الحديثة، انعكس ذلك على نجاح العملية التربوية والتعليمية، فمعظم المدارس الحكومية والخاصة تفتقر الى مثل هذه التجهيزات ووسائل الاتصال وتفتقر ايضاً الى اللمسة المعمارية الجمالية لمبنى المدرسة داخلياً وخارجياً. 5) معظم نماذج تصميم المدارس يتم تطبيقها من دون النظر الى الموقع، او المنطقة المزمع انشاء المدرسة فيها، ولا يراعى عند التنفيذ اختلاف الموقع من الناحية البيئة وطبوغرافية الارض، ولا طبيعة الاحياء السكنية من خلال وضع المجاورين للمبنى كمدارس البنين بقرب مدارس البنات او وضع المجاورين السكني، وأختلاف الشوارع المحيطة بالموقع من حيث المداخل ومواقف السيارات والتوجيه العام للمبنى والانشطة المحيطة والخدمات القريبة من الموقع. 6) معظم نماذج تصميم مباني المدارس لا يراعى عند تطبيقها في مناطق مختلفة الشخصية المعمارية والبيئة العمرانية المتميزة بها المنطقة، فتظهر مباني المدارس عنصرا نشازا معماريا وسط نسيج عمراني متقارب الى حد ما، وفي هذا إغفال للشخصية المعمارية والبيئة العمرانية للمنطقة التي يجب ان تكون المباني العامة والمدارس من ضمنها اكثر المباني تمثيلاً لها؛ ليضاف الدور التثقيفي لمبنى المدرسة الى جانب دورها التعليمي الأساسي. فللعمارة دور كبير في ثقافة الشعوب فهي مرآة المجتمع تعكس سلباً أو إيجاباً أفكاره وهويته الثقافية وفلسفته الحياتية ومكونات بيئته الطبيعية والمباني كعناصر معمارية مؤثرة تعكس بتصميمها وألوانها وأشكالها الهدف الذي أنشئت من أجله، والمبنى يعد أداة التعبير الاولى لمكونات وأهداف ورمزية فلسفة تصميمه، لذا يجب ان تكون تصاميم المدارس معبرة معمارياً عن الفلسفة التربوية والاهداف العلمية والتعليمية التي يسعى اليها المجتمع، ومدارسنا الحكومية والخاصة تفتقد هذه اللمسة المعمارية خارجياً في شكل المبنى وهيئته ولونه وملمسه ومفردات تكويناته المعمارية، وداخلياً من خلال تشكيل فراغاته الداخلية والاثاث والافنية والملاعب والحدائق الخارجية ومباني الخدمات له. لاشك ان هناك صعوبات تقف عائقاً نحو ايجاد الحلول التطويرية لمباني المدارس القائمة والمزمع انشاؤها، ولكن يمكن التغلب على تلك العوائق والصعوبات اذا تكاثفت الجهود واعطي الموضوع حقه الكامل بالبحث والدراسة، فنحن نستثمر بأجيال المستقبل وأمل الوطن، ومن أهم تلك الصعوبات ضخامة عدد المباني المدرسية المطلوب أنشاؤها سنوياً؛ لمجاراة الزيادة الكبيرة في النمو السكاني وفي مناطق متعددة ومتباعدة ضمن نطاق جغرافي كبير تمثله مساحة المملكة التي تحتاج الى كثير من الجهود في مجال الاشراف على تنفيذ مشاريع مباني المدارس، ومن ثم تشغيلها وصيانتها، يقابل ذلك صعوبة بعض مواقع التنفيذ، وتدني مستوى المقاولين، وافتقار بعض المناطق النائية مقومات صناعة البناء وأدواته، اضافة الى محدودية الجهاز الفني التابع للوزارة، وكثرة المهام الموكلة اليه في مجال الصيانة والترميم للمدارس القائمة. المرحلة الحاضرة تشهد تطوراً ملحوظاً يشمل كامل جوانب العملية التربوية والتعليمية في بلادنا متزامنة مع ما يشهده اللعالم من ثورة في مجال التطور التقني لوسائل التعليم وأساليبه، نحن بحاجة إلى أن نواكب ذلك التطور.. وفيما يلي بعض النقاط التي أرى أنها قد تساعد على تفعيل ذلك وهي: 1- يعتمد نجاح العملية التعليمية والتربوية أساساً على ثلاثة عناصر هي: المعلم، والمبنى المدرسي، والمنهج الدراسي، ومن هذا المنطلق نجد ان وزارة التربية والتعليم بذلت كثيراً من الجهد والمال في سبيل رفع المستوى التخطيطي والتطويري لعنصرين من تلك العناصر، هما: المعلم، والمنهج الدراسي، بينما كان الجهد المبذول لتطوير المبنى المدرسي أقل مجهوداً، ولم يواكب تطوير العناصر الأخرى المكملة لنجاح العملية التعليمية والتربوية. 2- المرحلة الحاضرة التي نمر بها لبناء مؤسساتنا التعليمية والتربوية تتطلب منا ان نتجاوز مرحلة تصميم النماذج الجاهزة، التي يجري تنفيذها في أي مكان وفي أي منطقة، وان ننتقل إلى مرحلة التصاميم التي يراعى فيها واقع البيئة الطبيعية والاجتماعية، إضافة إلى المفاهيم التربوية والتعليمية الحديثة والمتطورة، وكمثال على ذلك هناك بعض التصاميم لمباني مدارس بمختلف مراحلها قامت الإدارة العامة للمشاريع برئاسة الحرس الوطني بتصميمها، وجار تنفيذها روعي في تصميمها معالجة معظم السلبيات الموجودة في تصاميم مباني المدارس الحكومية والخاصة فلقد حرص المصممون المعماريون على ان تكون خصائص هذه المباني المدرسية التصميمية والتقنية محققة لأهداف العملية التربوية والتعليمية. 3- عند تصميم مباني المدارس لابد من تبني أساس لفكر وأسلوب تصميمي مبني على منهج يخلق أمام المعماريين محاور كثيرة تمكنهم من تصميم العديد من الأفكار التصميمية المختلفة لا ان تكون فكراً تصميمياً يمكن تعميم فلسفته في أي مكان، وفي أي منطقة مع البعد عن ان تكون تلك الأفكار تكرارية الشكل، أو نمطية الفكرة مع ربط ذلك الأسلوب والمنهج التصميمي بابعاد ثقافية محلية وضمن إطار مكاني مرتبط بالنمط المعماري والهوية العمرانية تمكنه من ان يتأقلم مع الظروف المحلية لموقع ومنطقة المدرسة، كما يجب الاهتمام بالخصائص المعمارية والعمرانية لمفردات المبنى ومكونات عناصره كي نخلق من مبنى المدرسة أداة تعليمية في حد ذاتها، وان تشكو في هيئتها الخارجية وتوزيعها الداخلي إطاراً تعليمياً وتثقيفياً ينظر له الطالب أو الطالبة من خلال عمارتها وتكويناتها المعمارية، فستكون أداة تثقيف وأداة تعليم في آن واحد، كما يجب الحرص على ان يكون مبنى المدرسة جزءا من النسيج العمراني في المنطقة، والا تشكل عنصرا نشازا بداخله. 4- كنا فيما مضى نبحث عن الكم في إعداد مباني المدارس لتلبية الاحتياج المتزايد من الطلبة والطالبات، والآن أصبحنا نبحث عن الكم والكيف في عدد مباني المدارس ونوعيتها مؤقتا، الحاضر يحتم علينا ان ننشئ مدارس تناسب ما نتطلع إليه من تطوير علمي وعمق بحثي يبدأ من المراحل المبكرة للتعليم، ويتعامل مع المستجدات التقنية الحديثة في التواصل بين الطالب أو الطالبة والمدرسة من جانب، والمدرسة والبيت من الجانب الآخر، منشآتنا التعليمية التي تقف على رأس القائمة فيها المدارس تفتقر إلى نقلة نوعية في تصميمها وتخطيطها كي تؤدي الواجب التعليمي الحديث سواء في تطوير القائم منها، أو عند انشاء المدارس الجديدة.