أتى اليّ في العيادة رجل في الاربعين من عمره، رزين الكلام، عالي الأدب في القاء تحيته وطريقة حديثه.... اشتكى انه يدخن علبة كاملة من السجائر يوميا لمدة سبع سنوات وليس لديه أي امراض مزمنة اخرى ولايستطيع رغم محاولته مرارا الاقلاع عن التدخين ويريد معرفة الاجابة على ثلاثة اسئلة محددة: س1: ما مدى تأثير التدخين على شرايين القلب في حالتي؟ س2: وماهي احتمالية اصابتي بجلطات القلب مستقبلا؟ س3: وهل يمكن تفاديها؟ ومايلي ملخص لأفكار النقاش الذي دار مع ذلك المريض مع التوسع في بعض الجوانب للفائدة العامة. ان المدخنين عموما في حاجة الى المساعدة الطبية، ويجب ان نعترف ان بعضهم يجد صعوبة في الاقلاع عن التدخين على الاقل في المدى القصير، وهناك عدوان لدودان يتربصان بالمدخنين الدوائر اولهما امراض القلب وثانيهما السرطان وبالذات سرطان الرئة، ولذلك ننصح هؤلاء المرضى بمايلي: اولا: الاستمرار في محاولة الاقلاع عن التدخين بدون يأس وطلب المساعدة ممن لديهم العلم والخبرة. ويجب ان يعرف المريض انه اذا وضع ترك التدخين في كفة وجميع الادوية التي تمنع جلطات القلب المعروفة علميا في كفة أخرى لرجحت كفة ترك التدخين بفارق كبير وسنشرح هذا المفهوم بشئ من التفصيل في الفقرة الخامسة. ثانيا: ليس هناك كمية من التدخين او عدد معين من السجائر او طريقة معينة لتناول التبغ لاتؤثر على شرايين القلب مهما قلت تلك الكمية ومهما اختلفت طريقة تحضير التبغ فيها سواء كانت (سجائر، سيجار، شيشة، معسل، ....) بفلتر او بدون فلتر، قليلة النيكوتين ام لا، وهناك بلاشك علاقة طردية بين كمية التدخين ومدته ونسبة حدوث جلطات القلب المستقبلية فمثلا اوضحت دراسة interheart ان خمس سجائر يوميا تزيد نسبة الجلطة 40% بينما اربعون سيجارة يوميا تزيدها بنسبة 900% (أي تسعة اضعاف نسبة الجلطات في الأصحاء غير المدخنين). بل واوضحت دراسة علمية حديثة من امستردام ان اثار التدخين الحادة على القلب في من هم اقل من الاربعين سنة أسوأ من تأثيرها على من هم اكبر من ذلك العمر من الرجال او النساء. ثالثا: ان التئام جراح شرايين القلب التي احدثها التدخين تبدأخلال 24 ساعة من ايقاف التدخين وترجع قريبا الى مستوى غير المدخنين بعد خمس سنوات من الانقطاع التام. رابعا: ينصح المريض المدخن في كل زيارة سنوية للطبيب بحساب احتمالية الجلطة القلبية المستقبلية خلال السنة القادمة ومناقشة ذلك مع الطبيب حيث يمكن ذلك كما اوضحنا في مقال سابق بمعادلة فرمنقهام او حساب درجة التكلس في شرايين القلب. ويناقش المريض بعد ذلك مع طبيبه ماهي اهمية هذا الرقم وكيف يمكن تقليل تلك المخاطر وعلى اساس ذلك ايضا يحدد هل يحتاج الى اسبرين يوميا؟ وماهو المعدل المقبول للكلسترول في ذلك الشخص في تلك الفترة؟ وهل يحتاج الى دواء لخفض الكلسترول؟ ونضرب المثل التالي: فمثلا اذا كان (س) من الناس رجل عمره 40 سنة ويدخن يوميا وليس لديه سكري او ضغط ومجموع الكلسترول الضار 200 ملغ/دسلLDL، والكلسترول غير الضار 35 ملغ/دسلHDL وضغط الدم الانقباضي 130 ملم زئبقي فاحتمالية اصابته بالجلطة خلال السنة القادمة % 1.7 وهي نسبة غير منخفضة (نسبة الجلطة في الانسان غير المدخن وليس لديه امراض اخرى % 0.4 خلال السنة القادمة حسب الاحصاءت الطبية المنشورة) فيحتاج هذا المريض الى الاسبرين والى انزال الكلسترول الضار الى 130 ورفع غير الضار الى 40 فأكثر وهناك ادله علمية راجحة تدل على فائدة التصوير النووي للقلب في هؤلاء المرضى في تقييم كمية نقص الترويه في عضلة القلب اذا كانت موجودة ومدى استجابتها للعلاج الطبي وبالتالي تفادي الجلطة حتى ولو لم تكن لديهم اعراض قلبية يشتكون منها. وفي المقابل اذا كان نفس الشخص مدخنا ولديه ارتفاع في الضغط الشرياني فأن أحتمالية اصابته بالجلطة خلال السنة القادمة اكثر من 2% وهي نسبة مرتفعه ويحتاج فيها المريض الى تصوير نووى للقلب او قياس درجة التكلس في الشرايين بشكل دوري (حسب حالة المريض وتغيرها مع الوقت) وكلا الطريقتين لهما مايؤيدهما في الابحاث الطبية المنشورة واخذ الاسبرين وانزال الكلسترول الضار الى اقل من 100 ملغ/دسلLDL وابقاء الكلسترول غير الضار اكثر من 40 ملغ/دسلHDL مع العلاج الفعال للضغط الشرياني. خامسا: اخذ الاسبرين لمن هم فوق الاربعين سنة ونسبة الجلطات المستقبليه لديهم في السنة القادمة اكثر من 1% بغض النظر عن كونهم يدخنون ام لا. ومن المهم معرفة ان التدخين يزيد نسبة جلطات القلب في نفس المريض بنسبة 40% مقارنة بوضعه قبل التدخين والاسبرين يخفض تلك النسبة بمقدار 20% فقط ولذلك اوضحنا سابقا ان التدخين يقلل من فائدة ادوية القلب كثيرا وبالذات الاسبرين وادوية الكلسترول لكن هذا المفهوم لايمنع بحال من الاحوال من اخذ الادوية اذا لم يستطع المريض الاقلاع عن التدخين. سادسا: مع ان التدخين يعتبر اقوى من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم في الاصابة بامراض شرايين القلب لكن هذا لايعني اهمال العوامل الاخرى في حال عدم استطاعة المريض الاقلاع عن التدخين فينصح بالتحكم بجميع العوامل الاخرى التي تسبب الجلطات مثل: الكلسترول حسب التفصيل اعلاه، ومراقبة الضغط قبل حدوثه وعلاجه عند تشخيص ارتفاع الضغط الشرياني المزمن، والمشي اليومي والمطلوب هو 30 دقيقة يوميا خمسة ايام في الاسبوع أي مامجموعة 150 دقيقة اسبوعيا وهو آكد في حق المدخنين والفحص السنوي عن السكري، واخيرا البحث عن الاورام التي يزداد حدوثها في هؤلاء المرضى وتقصر اعمارهم - حسب السنن التي سنها الله في كونه - مثل سرطان الرئة والقولون والمثانة والبحث عنها بشكل دوري. سابعا: قياس الهيموجلوبين عند متابعة الطبيب السنوية والابتعاد عن ارتفاعه فوق ال18 وذلك لان ارتفاع الهيموجلوبين من مسببات جلطات الدماغ والقلب ايضا ولذلك ننصح جميع المرضى المدخنين في عيادةالقلب اذا وصل الهيموجلوبين الى ذلك المستوى بالاقلاع عن التدخين اولا فأن لم يستطع فيتبرع بالدم مرة او اكثر حتي يكون اقل من 17 ويظل تحت المراقبة. ثامنا: مراقبة انسداد الشرايين السفلية بقياس ABI وهو مقياس نسبة الضغط الشرياني بين الكاحل والعضد والنسبة غير الطبيعية هي اقل من 0.9 وهو مرض خطير سبق وان تكلمنا عنه بالتفصيل في مقال سابق. تاسعا: لم يثبت علميا ان اخذ الفيتاميناتantioxidants يحمي من مخاطر التدخين الصحية وبالذات على القلب. عاشرا: ان اكثر الادوية فاعلية في حماية القلب عند المدخنين بالدليل العلمي القاطع هو الإقلاع عن التدخين نهائيا.