ضمن فعاليات مهرجان التراث والثقافة (الجنادرية 24) عقدت مساء أمس في جامعة الإمام محمد بن سعود ندوة حول الهوية الدينية والهوية الوطنية أدارها الدكتور خليل الخليل، وتحدث فيها الدكتور محمد جابر الأنصاري، وسماحة السيد علي الأمين، والشيخ محمد الحسن ولد الددو، والأستاذ مايكل مورجين. تحدث الدكتور الأنصاري بداية عن الإشكالية الرئيسية في مسألة الهوية الدينية والهوية الوطنية وعزاها إلى الفارق بين الهوية الدينية الواحدة وبين التعددية السياسية الحاصلة في العالم الإسلامي، وأشار إلى أن مشروعات التغيير التي تصادم عقائد الناس لم تلاق النجاح في العالم الإسلامي بعكس المشاريع التطويرية الأخرى، وأشار إلى أن هوية الإنسان الموروثة تفرض عليه بشكل دائم، وهذا ما يحدث مع الجميع كالعرب المهاجرين في أوروبا وأمريكا. وأكد الأنصاري إلى أن الأحاديث التي تشاع حول رفض الفاتيكان لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي وسعيهم في هذا بسبب جذور تركيا الإسلامية، بينما تعترف أوروبا بجذورها اليهودية المسيحية، وإن كان هذا صحيحاً فسيعد حدثاً فاصلاً بين العالم الإسلامي وأوروبا. وأشار الأنصاري إلى وجود شخصيات مميزة للأقطار العربية في التاريخ الإسلامي، كمصر، والمغرب، وإيران، وأن مفهوم الوطن لم يطرح في العالم العربي كمفهوم مضاد للدين إلا من القليل من النخب، وأن الرسول علية الصلاة والسلام عندما وضع صحيفة المدينة، فرض الواقع أن تكون محدودة بحدود يثرب، وبسكانها المسلمين وغير المسلمين. وختم بالحديث عن اللسان العربي وكونه المعول عليه في تحقيق الهوية العربية، وأن الهويات الوطنية اليوم حقائق إنسانية يجب أن نتعامل معها كما تعامل الإسلام مع القبيلة ووجودها في بدايته. بعده كانت ورقة سماحة السيد علي الأمين والتي طرق فيها موضوع الهوية الدينية والوطنية من نواحٍ دينية وتاريخية، حيث وصف حب الوطن بأنه من أعظم الفضائل التي يسعى إليها الفضلاء، وأن هذا الحب غريزي يولد مع الإنسان بالفطرة، وأن هناك انسجاماً واضحاً بين الهوية الدينية والوطنية، ويدلل على هذا بأن الشريعة جعلت الدفاع عن الأرض والشعب من الجهاد في سبيل الله. وأكد الأمين أن الناس رغم انقسامهم في العقيدة إلا أنهم لم ينقسموا في الأوطان، فلم يتخلوا عن الأرض، ثم ختم بالتأكيد على عدم وجود تعارض بين الهوية الوطنية في توزيع المنافع على الناس، وأن هذا ينسجم مع العدل الذي يدعو إليه الإسلام دون تفريق على أساس الهوية الدينية، وضرب مثلاً على هذا بما حدث في يثرب عندما كتب الرسول صحيفة المدينة التي جمعت المسلمين وغير المسلمين على أساس هوية وطنية، وذكر بأن الإنسانية مصدر للعدل والتساوي في الحقوق. أما الأستاذ مايكل هملتون مورجين فتحدث عن ثلاث نزعات إنسانية لتعريف المجموعات الكبيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، الأولى من لا يعرف الكثير عن الثقافات الأخرى، والثانية أناس منجذبون إلى التعبير الواضح عن مواقفهم من قضايا السلوك والحياة بمعنى ديني كالمسلمين والمسيحيين واليهود، أما الثالثة فأسماهم (الإنسانويون)، وهم الذين يعيشون حياتهم بشكل طبيعي ويعتقدون بأنهم يعملون حسب مقتضيات الواقع ويستقون معارفهم من العلم الحديث. ثم تحدث عن صراع الهويات في أمريكا بين القدماء من المؤسسين والذين وصفهم بالمسيحيين المستنيرين، وبين المحافظين اليوم، وأشار إلى الجذور العربية الإسلامية للثقافة الأوروبية والأمريكية وضرب مثال على هذا التأثير بالأثر لابن رشد باللاهوتي المسيحي توما الأكويني. وختم الشيخ محمد الحسن ولد الددو بالحديث عن تقبل الهويات المختلفة كالهويات العرقية وما يتعلق باللغة وغيرها عندما تحقق مطلوب الشرع، وأن بعض الهويات تضعف وتنحل عندما تتضارب المصالح أو تختلف المبادئ، وأشار إلى أنواع مختلفة من الروابط كالنسب والعرق واللغة والوطن والدين، وأكد على أن الرابطة الدينية هي الرابطة الباقية والتي تتأكد عندما تزيد الثقافة والعلم، وأن الأخلاق هي أساس التعايش بين البشر، وختم بقوله:إن الهوية ترتبط بمدى الفهم والاستيعاب وأن الخصوصيات تنصهر داخل الأمة.