تتاح الفرصة لتغير أو استحداث نظام ما أو لائحة ما، عندما تتوافق ثلاثة عناصر رئيسية في الموضوع المراد تطويره أو استحداث نظامه، أو حتى في المشكلة التي يراد حلها عن طريق استحداث تنظيم جديد لها. هذه العناصر هي: أولاً: عنصر بروز المشكلة وتحولها إلى محط اهتمام صانع القرار ، وقد تكون مشكلة أزلية تراكمية أو مشكلة حديثة أو مشكلة متوقعاً حدوثها. هذا البروز قد يكون صانع القرار هو البادئ بالتعرف عليه وقد يكون أمراً برز وأصبح ظاهرة يتحدث عنها النقاد أو أوساط المجتمع.. ثانياً: العنصر الإداري القيادي ويقصد بذلك تبني القيادات أو دفعها باتجاه إنجاز تنظيم ما أو حل ما لتلك المشكلة. ثالثاً: صانع اللائحة أو التنفيذي المعني بصناعة النظام أو اللائحة وهو هنا يعتبر العنصر الأهم في خروج وصياغة اللائحة بشكلها الإيجابي السليم. القيادي لايصنع اللائحة وإنما يدفع بها للأمام والمجتمع لايدرك تفاصيل صنع اللائحة وإنما يهمه الحلول النهائية ، لكن التنفيذي هو المعني بالدفع لأمام بالنظام أو اللائحة المستحدثة أو المراد تعديلها، والجهات التنفيذية في نظامنا الإداري تمثل الوزارات والهيئات الحكومية المماثلة... سأنطلق من هذه المقدمة للحديث عن إشكالية التعليم العالي لدينا، فقضية التعليم العالي لم تعد خافية وهي تتجاوز مجرد توفير المقعد الجامعي إلى تخلف معطياتها التنظيمية عن حركة التطور التنموي الإداري في كثير من القطاعات الأخرى، وقد أدركت الجهات المسؤولة هذا الوضع فأعلنت مبادرات تحث على تطوير النظام التعليمي العالي والتعليمي بصفة عامة، مثل حثها قبل عامين أو أكثر على إعطاء مزيد من الاستقلالية للجامعات، وحثها في مناسبة أخرى على دراسة تحسين أوضاع أعضاء هيئة التدريس، وفي مناسبات سابقة ضغطها لأجل رفع سقف القبول بالجامعات، ودعم القطاع الخاص للإسهام في التعليم العالي، وغير ذلك من المبادرات التي تدل على توافق العنصرين الأولين، المشار إليهما أعلاه في أهمية تحديث أنظمة التعليم العالي. لكن يبدو أن العنصر الثالث الضروري لالتقاء الرغبتين الاجتماعية و القيادية بتطوير نظم التعليم العالي ، لم يرتق إلى مستوى التطلعات ويقدم لنا حلولاً إستراتيجية مقنعة،لم يبادر ولم يقدم لنا مشاريع نظم ولوائح جديدة ومطورة تستحق التبني، وكأنني بهذا القطاع يدير الأمور بطريقة مترددة تخشى التطوير وتعتقد أن الأمور تسير على خير ما يرام، طالما هناك كليات وجامعات تخرج طلاباً وطالبات، أو ، وأرجو أن لا أكون قاسياً في حكمي هذا، أن وزارة التعليم العالي تفتقد الكوادر القادرة على صنع النظم واللوائح (policy makers) وبالتالي هي تعج بالبيروقراطيين التنفيذيين محدودي القدرات التنظيمية والتطويرية. إذا كان الأمر كذلك فلنترك بيروقراطيي التعليم العالي في أبراجهم يتابعون اللوائح والتعليمات، ويعطلون مشاريع التحديث، ولتنشأ لجنة عليا أو هيئة عليا ذات مهمة محددة تتمثل في رسم إستراتيجية واضحة للتعليم العالي ومستقبله وعلاقته بتطوير التنمية في بلادنا..