على يمين دارة الرئيس رفيق الحريري بقريطم، ثمة مبنى من خمسة طوابق تشغله مؤسسة شباب المستقبل التي أسسها الرئيس الحريري لتمثل الرؤية التي كان الرئيس الحريري يريدها لشباب لبنان، وعمل على ذلك من حوالي ربع قرن من الزمن، قبل السياسة وقبل عودته النهائية الى لبنان، ليكون هذا البلد المستقر الأخير له، وليكون المكان الذي أعاد إليه الحياة حاضن موته الى الأبد. في المبنى الكثير من الشباب والصبايا، جميعهم من طلبة الجامعات الذين تكفلت بهم مؤسسة الحريري لتعليمهم على نفقتها الخاصة، فالرئيس بحسب ما قال أحمد الشريف وهو يدرس الهندسة الميكانيكية في الجامعة اللبنانية الاميركية (من أكثر أنصار العلم جدية في العالم العربي، وهو أهم من الدولة في هذا المجال) فيما يقول زميله مروان عاصي الذي يدرس معه في نفس الجامعة أن الرئيس الحريري (أعاد بناء الجامعة اللبنانية وهذا أمر لم يفعله سياسي لبناني منذ تأسيس لبنان الحديث 1926 ، ونحن نعرف كيف كان السياسيون قديما يتعاملون مع موضوع العلم على أنه حق للأغنياء لا للفقراء) ويضيف مروان (لقد جاء الى هنا ليقول من خلال التعليم أن الفقير هو أكثر حاجة للعلم من الغني، وهذا الأمر يكفي ليخلص الفقير من التبعية للإقطاع المادي والسياسي) أما سمر الدالي بلطة، تلميذة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية فقالت (إذا فتشنا في تاريخ لبنان الحديث والقديم لن نجد شخصية تتوافق لا من ناحية الحجم ولا من ناحية الصفة مع دولة الرئيس، فهو الشخصية الوحيدة التي كانت أكبر من لبنان، أي أكبر من طموحات البلد بكثير) وتضيف (بعد الحرب جاء الرئيس الحريري ليقول لليائسين من سنوات الحرب لا تقنطوا من رحمة الله الأمل موجود ولكن الإيمان ضروري، لقد كنت أحب كثيرا طريقته في الإيمان). ولا تختلف نبرة هؤلاء الشبان الذين التقيت بهم عن غيرهم من زملائهم في تيار المستقبل، ولا في التيارات السياسية التي كانت متواجدة في شوارع بيروت أو في دارة الرئيس الحريري، أو حتى متواجدة بشكل دائم بجوار ضريح الرئيس الحريري في وسط بيروت. فالرئيس الحريري الذي قتل غفلة يوم الاثنين مع رهط من رفاقه، في نفس المكان الذي بدأ فيه مسيرة إعادة إعمار لبنان قبل ثلاثة عشر عاما ناجزة.في المساء، وأمام الضريح، تجمع عشرات الناس الذين ومنذ ساعات الصباح يتوافدون من كافة مناطق لبنان لإلقاء نظرة وداع على الرجل الغارق في الورود التي تحولت الى هضبة من الحب لرفيق الحريري باني لبنان الحديث. والى أضرحة رفاقه النائمين الى جانبه في مشهد مهيب. فيما العريضة التي افترشت الأرض على طول يمتد الى حوالي مئة متر وكتب عليها مئات الكلمات المعزية والمطالبة برحيل سوريا من لبنان، واستقالة السلطة اللبنانية التي اغتيل الرئيس في ظل حكمها. وهي التي تتحمل المسؤولية. كتبها كل اللبنانيين من كافة الطوائف والانتماءات الحزبية والقوميات الموجودة في لبنان والتي تشكل نسيجا ديمغرافيا فريدا في المنطقة.بشكل دائري، التف النساء والشيوخ الشباب والأطفال الشيوخ المسلمون والمسيحيون والراهبات اللواتي كن يقفن أمام ضريح الرئيس المغدور ورفاقه. هكذا حول موت رفيق الحريري لبنان الى وطن موحد على كلمة واحدة.