على الرغم من التطور الذي حققته مهنة المحاسبة في المملكة خلال 30 عاماً الماضية، إلا أن النظرة التقليدية للمهنة ما زالت سائدة لدى شريحة كبيرة من عامة المجتمع، بل وللأسف لدى بعض المتعلمين، حيث لا يقدر الهدف الأساسي للمحاسبة والمتمثل في مساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات اقتصادية رشيدة. ولا شك أن ممارسات الجهات المهنية في المملكة قد كرست النظرة التقليدية للمهنة، ومن ذلك موقف مهنة المحاسبة من الانهيار الذي حدث للأسهم السعودية في مايو 2004 وديسمبر 2004. فبينما تصدى الاقتصاديون ومن ورائهم جمعية الاقتصاد السعودية لتفسير ما حدث وتثقيف المجتمع تجاه الاستثمار في الأسهم، وقف المحاسبون على الطرف الآخر ومن ورائهم الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وجمعية المحاسبة السعودية وكأن الأمر انهيار مبنى يحتاج إلى وجهة نظر جمعية المهندسين وليس رأي المحاسبين. ومن هنا فإنه أصبح لازماً عليَّ كأحد المحاسبين أن أُذكّر زملائي في المهنة أولاً وبقية المجتمع ثانياً بدور مهنة المحاسبة على مستوى الاقتصاد بوجه عام ودورها في أسواق المال بوجه خاص. إن العلاقة بين مهنة المحاسبة والاقتصاد وأسواق المال قديمة عبر التاريخ التجاري إلا أن هذه العلاقة أخذت طابع الشراكة بعد الانهيار الشهير لأسواق المال الأمريكية في العام 1929 وما ترتب على ذلك من تطوير المعايير المحاسبية. كما أن هذه العلاقة أخذت طابعاً آخر بعد انهيار شركة أنرون في العام 2000، حيث ظهر إلى السطح دور مهنة المحاسبة في الانهيار والعجز المالي للشركات المسجلة في أسواق المال. وعلى الرغم من التأثير السلبي على المهنة بسبب انهيار شركات World Com & Enron وغيرها، حيث ركزت التغطية الإعلامية على دور مهنة المحاسبة بوجه عام ومكاتب المحاسبة بوجه خاص في تلك الانهيارات، إلا أن انهيار تلك الشركات العملاقة قد أكد في الواقع على خطوة إهمال المهنة، كما أكد على ضرورة العمل على تطوير المهنة حتى تقوم بدورها في حماية المستثمرين والاستثمارات. وبينما أدركت دول الغرب دور مهنة المحاسبة والمراجعة على مستوى الاقتصاد الكلي وبالأخص دورها في حماية المستثمرين، فإننا لا زلنا وللأسف نتجادل حول مهام وأهداف المهنة، حتى أن البعض يهمش مهنة المحاسبة في سند القبض أو الصرف. ولا شك أن هذه النظرة لا تخدم الواقع الاقتصادي للبلد حيث يحتاج إلى مهنة محاسبية قوية، ومحاسبين من أبناء البلد على مستوى عال من التأهيل لتولي زمام القيادة في القطاع الخاص. كما أن برامج الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الحكومة تتطلب من المهتمين بالمهنة سواء في الجانب الأكاديمي التعليمي أو في الجانب العملي التطبيقي إعادة النظر في أولويات المهنة وإبراز دورها الحيوي على مستوى الاقتصاد الكلي بدلاً من حصرها في المستوى الجزئي للاقتصاد. وهذا يعني بطريقة غير مباشرة ضرورة زيادة الوعي المالي والمحاسبي سواء على المستوى الخاص أو على المستوى العام ليتناسب مع المستجدات الاقتصادية. فالخدمات التي تقدمها مهنة المحاسبة اليوم توسعت لتشمل المجالات الاستشارية الإدارية والمالية، فالمهنة لم تعد قاصرة على توثيق المصروفات أو التحقق من الإيرادات، كما أنها لم تعد قاصرة على مراجعة الحسابات وإصدار التقرير السنوي عن المراجعة. والدليل على ذلك ما تؤكده الإحصائيات العالمية حيث تبين أن ما بين 41٪ - 46٪ من دخل أكبر أربعة مكاتب محاسبية في العالم يأتي من خدمات غير المحاسبية. لذا فإن من الواجب على العاملين بالمحاسبة أن يشاركوا زملاءهم الاقتصاديين في تثقيف الرأي العام وتقديم المشورة المهنية للمسؤولين من خلال طرح آرائهم في العديد من القضايا الاقتصادية والمالية العامة التي لها ارتباط وثيق بمهنة المحاسبة مثل دور المهنة في الرفع من كفاءة برامج التخصيص، ودور المهنة في الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، ودور المهنة في استقرار أسواق المال.. وغيرها من القضايا الهامة التي تحتاج رأياً محاسبياً مالياً يساهم في ترشيد القرارات الاقتصادية مما يؤدي في النهاية إلى رفع كفاءة الاقتصاد الوطني. ٭ أكاديمي