انتشرت في السنوات الأخيرة ظواهر العنف الأسري مما يدل على وجود مؤشرات خطيرة وأسباب خفية تقف وراء تحول هذه الجرائم والسلوكيات المنحرفة من حالات فردية الى ظواهر تكاد تكون شبه عامة تحتاج الى دراسة وتدقيق وبحث للكشف عنها، ومن ثم علاجها من جذورها حفاظاً على أمن المجتمع وطمأنينته. فما هي هذه الأسباب الكامنة خلف تفشي هذه الظواهر؟ للأسف انتشر في بيوتنا جفاء بين الاب وأبنائه بين الام وابنائها وبين الزوج وزوجته يصل في أغلب الاحيان للضرب يطلقون عليه مجازا (العنف الأسري) وأكثر المتضررين من هذا العنف للأسف الشديد (الاطفال) وأيضاً الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ثم النساء في المرتبة الثانية، كما أن الرجل قد يتعرض للعنف الأسري ولكن قد يكون في نطاق أقل. الدكتور علي بن عبدالرحمن الرومي استاذ علم الاجتماع المساعد قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يوضح في الحوار التالي: @ في البداية ما العوامل التي ينشأ بسببها العنف؟ - ربما استطيع أن أقول أو ارجع أهم العوامل الى أن الأسرة المعاصرة تفتقد الكثير من المهارات الأسرية التي تحتاجها للتعامل فيما بينها، وبالتالي استبعاد هذه المهارات يضعهم في مواقف تدفع بعضهم الى استخدام العنف، ولو كانوا يملكون تلك المهارات مثل مهارات التواصل، ومهارات الاستماع، ومهارات الحوار، ومهارات تقدير الآراء الأخرى بل أقول أكثر من ذلك وهذا ربما نضعه سبباً اخر وهو فهم المسؤوليات، فالزوج الذي اعطي القوامة قد لا يكون فاهم اًلتلك القوامة وهذه اشكالية ليست قديمة وانما هي جديدة، فالأسر الحديثة تتشكل وهي لا تعي لمسؤولياتها، فالزوج لايعي بالقوامة والزوجة لاتعي بمفهوم الطاعة، فكل هذا يتيح فرصة أو لا يوجد تصور واضح لدى أفراد الأسرة، وبالتالي يوقعهم في مواقف اجتماعية محرجة، وممارسات تصنف على أنها عنف، يضاف إلى ذلك غياب الحماية الاجتماعية، في السابق كانت الأسرة الممتدة ممثلة في الأب والأم وحتى الإخوة الكبار يمارسون شيئاً من الحماية ولا يرضون مثلاً لزوجة الأبن ان يعتدى عليها من قبل ابنهم ولا يمكن أن يسكتوا على مثل هذه الممارسات، بل لايتيحون فرصة حتى لوجود بدايات لها، لأن العنف ليس ممارسة مفاجئة، وإنما هو له تاريخه فهم لا يتيحون فرصة لوجود بدايات له، فهذا على نطاق الحماية الأسرية التي نفتقدها في الوقت المعاصر، لأن حتى الحماية على مستوى المجتمع ليست على المستوى المطلوب، والمقصود في الحماية ليست فقط التدخل عند حدوث العنف وليست هي أن تكون شبيهة بالمحاكم وإنما التدخل الوظيفي الذي يكون داعما للأسرة فربما أنت في تدخلك في قضايا العنف قد تزيل عنفا ولكنك توجد أوضاعاً في بعض صوره وبالتالي ينبغي أن تكون الحماية على مستوى المجتمع فاعلة في هذا الجانب،. @ هل تقصد أن الحياة المدنية لها أثر في تكوين العنف الأسري؟ - لاشك لأن الحياة المدنية أدت إلى وجود شيء من التفكك الاجتماعي، والتفكك الإجتماعي على سبيل المثال: أن الأسرة أصبحت نووية وليست ممتدة، يعني زوج وزوجته يذهبون ليعيشوا في شقة لا يدرون بأحد ولا يدري بهم أحدا فيكونوا بعيدين عن المراقبة ونوع من الإشراف ونوع من الضبط، ونوع من التوجيه، وأيضاً أوجد توجها فردي لدى الأفراد بمعنى أنهم يقولون هذه حياتنا الشخصية لادخل لأهل الزوجين بها، أضف الى ذلك أن أهل الزوجين مع دخول مفاهيم كثيرة خاصة المفهوم الذي يتعلق بأم الزوج أنها عبارة عن حماة وليست أماً وليست عمة وليست خالة فيطلقون عليها لفظا أصبح في مفهومه سلبيا، يعني شحن بالمفاهيم السلبية، فأصبح حتى أبعد من ذلك فالذين يعملون في الارشاد الأسري كأنهم ينفرون من تدخل أهل الزوج، بالرغم من أن تدخل أهل الزوجين يفترض أن يكون ولكن بطريقة إيجابية، فالحياة المدنية بلا شك أنها أسهمت في أوضاع جديدة شجعت على العنف، لذلك أنا ضد فكرة من يقول أن القيم والأعراف التقليدية هي التي كرست العنف لا ليست هي التي كرست العنف، بل الأوضاع المدنية الجديدة هي التي أوجدت الأرضية للعنف. @ هل العنف الأسري سلوك مكتسب يتعلمة الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية؟ - من الممكن أن يكون سلوكاً مكتسباً يتعلمه الشخص خلال مشاهدات خاصة بمرحلة الطفولة وربما كيفية التعامل بين والديه أو كيفية التعامل بينه وبين أخوته ربما تكسبه هذا الجانب الذي هو جانب العنف، ويبدأ مثلاً مع الزوجة ومع الأولاد أو يبدأه الأخ الأكبر مع أخوته الأصغر لكن ربما يبدأ على مستويات بسيطة لاتصنف على أنها عنف لكنها تتطور لتدخل في نطاق العنف وبالتالي يصبح عملية تعلم ذاتي خاصة في طرق التعبير عن الذات وطرق التعبير عن الاختلاف في الرأي والمواقف الاجتماعية، فهو من هذا الجانب ممكن أن نقول إنه متعلم ويتم من خلال تنشئة اجتماعية وهذا لايغفل أيضاً اسباباً أخرى للعنف مثل استخدام المخدرات وبالتالي يكون نشأ كحالة استثنائية للأسرة. @ هل المخدرات والأمراض النفسية والاجتماعية من مسببات العنف؟ - نعم وربما أن الإحصاءات التي تشير إلى تزايد الكبير في استخدام المخدرات ربما هذا اكبر مفسر خاصة في صور العنف الشديدة مثل ما نسمع وهذا نادر لدينا ولله الحمد، أن أحداً قتل أباه أو قتل أولاده أو شيئا من هذا القبيل، وهذا لاشك نتيجة لهذين العاملين، والعامل الثاني الاضطرابات النفسية أيضاً نحن في مجتمعنا بحاجة إلى أمرين بحاجة إلى الوعي بتلك الأمراض بمعنى أنه أحياناً يوجد فيما بيننا من هو مريض نفسياً ولا نتعامل معه بالصورة المطلوبة، بمعنى أننا لانمنحه الرعاية الصحية المطلوبة، والنقطة الثانية أيضاً أنه للأسف أيضاً مع تزايد تلك الأمراض نتيجة للظروف المعاصرة لا توجد لدينا المستشفيات المعنية بهذا الشأن لأنها حقيقة دون المستوى المطلوب وبالتالي الذي يزور إحدى هذه المستشفيات يجد الأعداد الكبيرة التي تزدحم عليها، ويجد أنهم يضطرون لإخراج شخص لإتاحة فرصة لشخص آخر وذلك الشخص الذي أخرج ليس في موقف مهيأ فيه للخروج، بل يخرجونه اضطراراً وربما يحدث نتيجة لهذا مشاكل كثيرة في المجتمع. @ ضعف الوازع الديني هل يعتبر من مسببات العنف؟ - إذا قلنا ضعفاً بالوازع الديني يعني ذلك الوازع الذي يلزم الشخص بمعرفة حدود الحلال والحرام ويجعل لديه دافعاً أن يتعلم مسؤولياته وأن يكون يخاف الله سبحانه وتعالى في تلك المسؤوليات، ونستطيع أن نقول حقيقة إن الوازع الديني يلعب دوراً كبيراً جداً في هذا الجانب. @ ماهي النتائج التي قد يفرزها العنف الأسري وماهي الحلول الناجعة؟ - أعظم نتيجة أن الهدف في الأسرة أن تكون مودة ورحمة وتماسكاً بين أفراد الأسرة وليست في أي حال من الأحوال مصدراً للعنف والأذى والضرر، وبالتالي العنف يقلب هدف الأسرة وهدف الاستقرار والسكينة، @ ماهي الطرق التي يمكن انتهاجها عندما يتعرض أحد أفراد الأسرة للعنف من قبل ذويه؟ - الذي نحتاجه في توعية المجتمع وإكساب أفراده المهارات اللازمة في قضايا الحماية الاجتماعية، يعني على سبيل المثال: لو أب ضرب ابنه وتدخل أخوه فضمن المفاهيم المعاصرة تقول له (مالك دخل) لكن وفقاً لثقافتنا الماضية لا ليس صحيحاً (مالك دخل) ولذلك كنا نجد في الماضي لو أب أراد أن يلزم إبنته على الزواج فإنها تلجأ إلى عمها وعمها يفزع لها ولا يتم الزواج، لابد أن نوجد وعياً في المجتمع ويصبح عرفاً اجتماعياً أو يستعاب ذلك العرف الاجتماعي الذي يتيح فرصة للآخرين خاصة ذوي القربى التدخل في حال تجاوز الحدود وأن هذا التدخل لا يعتبر في ذاته تجاوزاً للحدود بل يعتبر مطلباً شرعياً واجتماعياً من العم، من الأخ، من إخوة الزوجة، أب الزوجة أنهم يتدخلون وبصورة إيجابية وفاعلة في هذا الموقف بحيث أنه لايمكن ان يتسامح في مايمكن أن يشكل خطورة على الضحية في أشكال العنف التي تشكل خطورة على الضحية. @ العنف الأسري هل يتمثل فقط بالضرب والمشاجرة أو أنه يدخل تحته مضامين أخرى؟ - ذكرنا في السابق أنه يدخل ضمنه المضامين النفسية بمعنى أو بآخر الحرمان يعني مثلاً: لو افترض أن واحداً لديه قدرة مالية ولكنه لاينفق على زوجته ولا ينفق على أولاده إلى درجة أنهم يظهرون أمام الآخرين وكأنهم معدمين وفقراء ولا يحصلون على مايحصل عليه غيرهم بالشكل الاعتيادي أي لايحصلون على الأشياء الضرورية وهذا أيضاً من العنف لأن فيه حرمان، وهذا الحرمان الذي يأخذ مظهراً مادياً وأثاره النفسية والاجتماعية على الأفراد. @ بماذا يضطلع دور المؤسسات الاجتماعية في مكافحة العنف الأسري؟ - دورها على مستويات مختلفة المستوى الأول مستوى الوعي وبث الوعي، وأنا أرى أن وزارة الشؤون الاجتماعية بالذات عليها مسؤولية كبيرة وبالتنسيق مع وزارة العدل في هذا الجانب، وعليها أن تعد دراسة لأسباب العنف، وأن تعالج الأسباب الحقيقية للعنف وأن تنشر الوعي بين أفراد المجتمع حول أدوار الاجتماعية وتكسبهم حتى من خلال دورات تنتشر في المجتمع حول المهارات اللازمة للتعامل مع أفراد الأسرة، والوعي بدرجة أساسية، المستوى الآخر هو وجود مؤسسات تحمي الأفراد المستضعفين الذين لايجدون سنداً وتتعامل مع حالات تحدث فعلياً، وربما حتى تتعامل مع الحالات تخشى الوقوع فيها، والمستوى الأخير مستوى وجود أنظمة واضحة في قضايا العنف، فللأسف رغم أن لدينا شريعة عظيمة إلا أننا في حاجة إلى إبراز بعض الأحكام وإبرازها في شكل واضح يستوعبها المجتمع، وحتى ربما من خلال وجود مؤلفات سواء كتب ومنشورات لمؤسسات الحماية الاجتماعية تحدد أوضاع العنف وموقعه في الشريعة من حيث الحرمة. @ هل تؤيدون إنشاء محاكم خاصة بالعنف الأسري؟ - هذا متوقف على ضخامة العدد فأنا ليس لدي إحصائية مدى مايندرج تحت العنف الأسري لدى المحاكم، لكن على العموم وجود قضاة متخصصين في الشأن الأسري شيء جيد، كما أن وجود قضاة متخصصين في الشأن الاقتصادي أيضاً شيء جيد، وربما هذا يجعل القاضي أكثر قدرة على التركيز، وبالتالي يسهل عليه اكتساب الخبرة في هذا المجال. @ ماذا عن معالجة العنف الأسري المتعلق بهتك أعراض المحارم والعياذ بالله؟ - هذا من أشد صور العنف ومن أشدها حرجاً خاصة على الضحية فيحتاج التعامل معه إلى حساسية كبيرة وبالتالي لابد من تدخل جهات وبحذر شديد فقد يحصل أنه في بعض الأحيان لاتكون الصورة واضحة ، بمعنى أنه قد يساء فهم بعض الحالات وقد يحدث فيها تقوّل وتجن ، وقد يتراجع فيها الشخص المدعي وبالتالي فيها حساسية كبيرة خاصة في مجتمعنا ولكن على درجة حساسيتها أيضاً يقال درجة خطورتها وبالتالي ضرورة التدخل فيها ولعلي أؤكد ضرورة دراسة مثل هذه الحالات ومن خلال استيعاب اسبابها واشكالها يمكن أن يخرج بوسائل تتناسب وواقع الحالة بالمجتمع. @ هل برأيكم أن هيئة حقوق الإنسان بدأت تمارس دورها المطلوب منها فيما يخص هذه الحالات؟ - لانستطيع أن نقيم عملها في الوقت الراهن ولكن لعلنا أن نتفاءل ونقول إنها بدأت بدايات طيبة ونتطلع إن شاء الله بالمستقبل أن يكون دورها كبيراً في حماية المتعرضين للعنف.