ماذا سيقول الشعر؟. إنه لأمر غريب وغريزي. أن تشعر بالقادم مسبقاً، وترهب قبوله ولكنه يأتي. كتبت قصيدة لم أكن أعرف أن جدي إبراهيم الواصل سوف يذهب إلى المستشفى. وقبل أشهر كنت ألبي لقلمي كتابة روايتي التالية وبطلتها تحمل وجوه عمتي منيرة. حي عتيقة. شارع الحجاز. البيت الخارج من جبل صخري. النساء الآتيات كل يوم والبيت الذي لا تقفل أبوابه. أبو عثمان زوجها الذي غاب باكراً. الأطفال والقرقيعان. الأعراس والدايرة من بيت قرعاوي إلى آخر. تنتمي هذه المرأة إلى سلالة خرافية من قصيميات تناسلن بين القرعاوي والبسام والشبيلي والخشان. بين السواني والأعراق. بين الأرحام والأشجار. تمور وضحكات. حنيني وساقيات. قالت ابنتها وفاء: أمي حبيبة ماتت الأربعاء عشان ما تكلف عليكم. ليتها قالت: أمي حبيبة وصمتت. نعم، منيرة حبيبة. الشاهدة على طِيءنِ الذَّهَبِ يَوءم صارَ درباً أخضرَ على يديكِ القُلُوبُ هَجِعَتء وصَارت الأنفاسُ تَمءرا.. يا سيدة الذاهبين إلى المستحيل والآتين من المستحيل.. يا سيدة العيد واللوز وبيض الصَّعو.. عتيقة تشتمُّ عطورك في طرقاتها.. الأطفال ينامون على وعد يديك السحرية.. هل تعرفين كم عين تفرح لسؤالك: من أنا؟ أقول: عمتي منيرة! فتقولين: عسى ما تعمى عينك! فأقول:عسى ما نفقد صوتك عسى ما ننسى اسمك عسى ما نعرف موتك! يا سيدة الضوء والعينين القرمزيتين.. يا تمرة العشاق والسواقي المضفِّرة عتيقة بالمرسلات.. القهوة السارة بوفاء الرائحة تنتظر في بيتك للضيوف السامية وعثمان يجمع الدنيا تحت قدميك سواني من الحنان.. صدرك الدانة لحبنا وهمومنا.. وإبراهيم فنجانك وراكان هيلك.. ولَناك الحكاية عن النخلة الضائعة في مدارات الرياض على بخار الأزمنة وشقاء البرد الأخير.. يا آخر النخلات القرعاوية... ( 17ديسمبر 2009)