جميعنا يعرف - أو على الأقل سمع - بروايات هاري بوتر الموجهة للأطفال.. وبنسبة أقل قد نعرف كاثلين رولينج الفتاة الإنجليزية المغمورة التي كتبت الرواية وابتكرت شخصيتها الرئيسية.. ولكن ما لا يعرفه معظمنا أن دخلها من هذه الرواية وصل إلى 400مليون دولار (عام 2002) و 760مليون دولار (عام 2005) وتجاوز المليار دولار هذه الأيام (... اللهم لا حسد)!! وهذا في الحقيقة مجرد مثال على الفرق الشاسع بين الحالة المادية للمؤلفين "العرب" والمؤلفين "الخوجات".. ففي حين يعجز أغلب المؤلفين العرب عن استرجاع (حتى) ثمن الطباعة يمكن لأي رواية تافهة في الغرب أن تكسب الملايين؛ ويعود السر إلى تفوق سوق الكتب في الغرب من حيث الكم والنوع (حيث يتجاوز عدد القراء في أمريكا وحدها 130مليون نسمة في حين قد تباع كل نسخة ب 40أو 50دولاراً).. فمبيعات الجزء الأول من رواية هاري مثلاً تجاوز 150مليون نسخة (حتى عام 2002) في حين لم يتجاوز مجموع المؤلفات العربية لنفس الفترة (المليون نسخة)... وفي حين تجاوز دخل كاثلين رولينج من أول رواية 400مليون دولار نتذكر بحزن (وقلوب مفطورة) حال المؤلفين العرب في الحاضر والماضي حيث الحقوق مهدورة والكتب مهجورة.. والمحزن أكثر أن حال مؤلفينا العرب في الماضي لا تكاد تختلف عنها في الحاضر (حيث غزارة التأليف لا تضمن امتلاء الجيب).. فهناك مثلاً جلال الدين الأسيوطي الذي وضع أكثر من 561كتاباً، وأبويوسف الكندي الذي ألف أكثر من 270كتاباً وأبوبكر الرازي الذي وضع 200كتاب ومع هذا لم يخرج أي منهم من دائرة الفقر أو يستغني عن حسنة الحكام والسلاطين!! .. وحين تأملت شخصياً في هذه المفارقة خرجت (بدون قصد مني) بقائمة منحوسة عن أعظم المؤلفين انتاجاً وأكثرهم فقراً وسوء حظ: @ فهناك مثلاً العالم الموسوعي جلال الدين الأسيوطي (المولود في أسيوط عام 849ه) ووضع 561كتاباً في العلم والأدب والطب والتفسير ومع هذا عاش معظم حياته في المساجد.. @ وهناك الكندي ( 800- 873) الذي وضع أكثر من 270كتاباً في الفيزياء والجغرافيا والطب والفلك (واسمه الكامل أبويوسف بن اسحق الكندي وينسب إلى قبيلة كنده العربية).. @ ويأتي في المركز الثالث أبوبكر الرازي الذي ولد في مدينة الري عام 883وله أكثر من مائتي مؤلف ترجم معظمها للغات الأوروبية.. @ وهناك الحسن بن الهيثم المولود في البصرة عام 965وله أكثر من مائتي مؤلف فقد معظمها (حتى ان كتابه الشهير في البصريات لم ينج من الضياع إلا بفضل ترجمته للغة اللاتينية حيث عرف باسم الموسوعة البصرية). @ اما عالم الكيمياء جابر بن حيان الكوفي فقد وضع أكثر من مائة مؤلف اصبح لمعظمها تأثير عالمي (واعتبره الغرب مؤسس الأسلوب العلمي التجريبي الذي قامت عليه نهضة العلوم لاحقاً).. @ وأخيراً هناك العالم العربي تقي الدين أحمد بن علي (المقريزي) المولود في القاهرة عام 766وله أكثر من 100كتاب في الجغرافيا والفلك والتاريخ... والمفارقة المؤلمة هنا ان مجمل كتبنا القديمة والحديثة لا تقارن (لا من حيث الدخل أو التوزيع) بُربع ما حققته رواية "هاري بوتر" للأطفال.. وفي حين كانت العرب تصف من أفلس بعد غنى بقولهم "أصابته حرفة الأدب" لا يبدو أن شيئاً تغير هذه الأيام حيث لا يجرؤ كاتب عربي على ترك وظيفته الرسمية ليعتاش من تأليف الكتب!