في أمريكا وعند بداية تأثير الأزمة المالية العالمية على قطاع صناعة السيارات لم تلهث أجهزة الإعلام الأمريكية بصورة غير واعية لدعم هذه الصناعة حتى ولو على حساب المواطن المستهلك، وانما تعاملت مع الأمر بمهنية إعلامية صادقة، فشاهدنا العديد من الفضائيات الأمريكية كيف تحاسب رؤساء هذه الشركات وبالتقارير المصورة عن بذخهم ومصروفاتهم الكبيرة التي تصرف على طائرتهم الخاصة وخصوصا رئيس شركة جنرال موترز، وهذه المتابعة الإعلامية الواعية ساهمت في ايقاف أو تأجيل الدعم المالي لهذه الشركة من قبل الكونغرس الأمريكي، وهنا نجد ان الإعلام لم يرضخ للمغريات الإعلانية لهذه الشركات وانما تعامل مع هذا الأمر بمهنية كشفت الكثير من الحقائق المخفية. في وطننا العربي للاسف لاتجد لفضائياتنا دور في حماية المواطن المستهلك، وانما احيانا تفضل حماية التاجر وجشعه على المواطن الغلبان، فلا نجد للاسف فضائية عربية تهدف لحماية المستهلك وانما تجد العكس، فالتعامل الفضائي العربي مع الأزمة المالية العالمية الحالية فضائيا ضعيف جدا، وكاننا في عالم والآخرين في عالم آخر، فتناول تأثير الأزمة علينا بصورة مباشرة أو غير مباشرة كأنه من المحظورات، فانشغلنا بمتابعة البرامج العربية المباشرة التي تتناول "الجزمة وبوش" وتركزت حوارات المشاهدين العرب المباشرة ما بين مؤيد ومعارض، وما بين اعتبار الجزمة انها اعادت الكرامة العربية أو انها اهانت المواطن العراقي المؤدب وهذا ما افردت له قناة الحوار الفضائية برنامجا مباشرا على مدار اليوم!! انتشار حليب ملوث قد يفتك بالمئات وخصوصا من الأطفال ليس مهما ان تفرد له البرامج المباشرة أو تتصدر عناوينه نشرات القنوات السياسية المتخصصة، ولكن العكس تماما عندما تقتل ابنة مطربة في ظروف مشكوك فيها، فالأمر يستحق الكثير والكثير من العناوين الرئيسية والبرامج المباشرة. تصور ان قناة فضائية عربية قامت استراتيجيتها على حماية المستهلك العربي، وهنا الحماية متنوعة حتى على مستوى الفساد الإداري في الشركات الحيوية المهمة، هل ستنجح هذه القناة، هل سيشاهد المواطن العربي من يحمي صحته وامواله، بعد ان اعيته وسببت له الأمراض الفكرية قنوات التعري، هل سنشاهد القناة التي تساهم بقوتها الإعلام في سحب منتج غذائي ضار بصحة المشاهد حتى ولو كان هذا المنتج لكبرى الشركات الإعلانية، ام اننا سنجد من يرشدنا عن المنتج الأفضل ويحمينا من الغش التجاري، أو سنتابع محلليين ماليين محترفين ومهنين سيمنعون عنا المجازفة في شراء بعض اسهم الشركات المتوقع خسارتها، مواضيع عديدة من الممكن ان تقوم عليها قناة تحترم المشاهد المستهلك. ولكن هل مجرد التفكير فيها يعتبر من الأحلام، فتصبح قناة حماية المستهلك مجرد افكار، ويصبح التفكير فقط والعملي لدى المستثمرين في الفضائيات مركز على انشاء قنوات للتغزل بالإبل، أو الاعتماد على الاستثمار بقنوات "الهشك بشك"!!