بعيداً عن مدى نجاح البنوك الإسلامية ودورها المالي والاقتصادي، وسرعة انتشارها وحضورها في المشهد المالي والمصرفي، إلا أن هناك من يعتقد أن الدور الأهم لها هو الدور الاجتماعي او المسؤولية الاجتماعية لافتين إلى أن البنوك الإسلامية إذا التزمت بالتوظيف الإنتاجي والإنمائي، تكون قد أدت دورها الاقتصادي والاجتماعي على أكمل وجه، وذلك بأن تباشر بنفسها وعن طريق وكلاء لها بتوظيف أموالها وأموال المودعين في مشروعات تنموية تنتج السلع والخدمات المطلوبة لأفراد المجتمع، وفى نفس الوقت توفر لأفراد المجتمع فرص العمل في هذه المشروعات فتخفف من نسب البطالة، وتزيد من الدخل القومي ودخل الأفراد، فترتفع القدرة الشرائية، وترتفع نسب الادخار أيضا، وتدور عجلة الإنتاج من جديد، فتحصل التنمية للمجتمع ككل وبكل أبعادها أما إذا بأنشطة المرابحة، فإنها تكون أقرب إلى لعب دور التاجر الذي يشترى السلع ليعيد بيعها مع تحقيق ربح من فروق الأسعار. ما يعني عدم اقتصار دورها ووظيفتها على المرابحة كمفهوم وتجليات، بل لا بد من توسيع وتنويع الاستثمارات، وتوظيف الأموال في إقامة المشروعات الضخمة وفقاً لاحتياجات وأولويات المجتمع وتوفير فرص عمل حقيقية وواعدة ومستقرة للذين يعانون من البطالة ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية. وهنا يكتمل دور تلك المصارف ووظيفتها الحقيقية. ومن المعروف أن المصارف هي القطاع الذي يقوم بمباشرة الأعمال المالية والتمويلية والاستثمارية في أي مجتمع، ولذلك فهي تكتسب أهمية في أي اقتصاد، والاختلاف ينبع من اختلاف الأسس والضوابط التي يؤمن بها الاقتصاد الذي تنمو وتعيش فيه هذه المصارف، ومن هنا يأتي الفارق الكبير بين المصارف في الاقتصاد الغربي والمصارف في الرؤية الإسلامية. والمصارف في الرؤية الإسلامية تعمل في إطار مبادئ الشريعة بهدف تحقيق مجتمع القدوة والقوة، من خلال تحقيق التنمية الشاملة اقتصاديًا واجتماعياً. مع العلم أنه قد يقوم بهذا الدور مؤسسات مالية أخرى لا يطلق عليها بالضرورة مصارف. الدور الاجتماعي يعتقد كثير من المختصين أن المصارف الإسلامية تتميز بضرورة قيامها بدور اجتماعي، وهو ما يميزها عن البنوك الغربية أو التقليدية، ذلك لأنها تنطلق من المفهوم الإسلامي للتنمية ولوظيفة المال في الإسلام، حيث إن البشر جميعًا مستخلفين فيه، وهو وسيلتهم إلى تحقيق مجتمعهم الإسلامي المتميز. ولذلك فإن على البنوك الإسلامية مسؤولية كبرى في تحقيق التنمية الاجتماعية بالنسبة للمساهمين والمتعاملين والعاملين في المصارف الإسلامية، وبالنسبة للمجتمع الذي يقوم فيه المصرف الإسلامي. فهي عليها واجب تحقيق التكافل الاجتماعي الذي هو أحد أسس الاقتصاد الإسلامي، وهي مهيأة للقيام بهذا الدور نظرًا لقدرتها على تجميع مدخرات المتعاملين معها، واستخدامها الاستخدام الذي يحقق هذه التنمية الاجتماعية، وذلك جنبًا إلى جنب مع دورها في توجيه الاستثمارات إلى تلك المجالات التي تخدم التنمية الاجتماعية وتلتزم بالأولويات الإسلامية وبتحقيق أهداف التنمية الشاملة في المجتمع المسلم. ومن هنا فإن المصارف الإسلامية القائمة لم تستطع بعد القيام بهذا الدور كاملاً، وذلك لأسباب تنظيمية خارجة عن إرادتها، وإن كان معظمها يضع في قوانينه الأساسية مبادئ القيام بهذه التنمية، وأساليب تحقيق هذه التنمية من خلال الصناديق والوسائل المصرفية المختلفة. التنمية والإسلام التنمية في الإسلام لها نظرة شاملة لكل من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. والتنمية بالمفهوم الإسلامي تجعل الفرد هو النواة للتنمية والمحرك لها، وهو الهدف الأساسي والنهائي لها. والتنمية بالمفهوم الإسلامي تشمل تحقيق مقاصد الشريعة الخمس حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي ذات سمات خاصة، فهي تنبع من عقيدة المسلم: من إيمانه بأنه مستخلف لعمران الكون، وعليه أن يعمل على استثمار الموارد المسخرة له على تعددها وتنوعها أفضل استثمار ممكن؛ تحقيقًا لمجتمع القدوة والقوة. والتنمية بالمفهوم الإسلامي تنمية عقيدية وشاملة. فهي عقيدية بمعنى أنها تلتزم بكل ضوابط الشريعة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وشاملة الفرد والمجتمع وجميع عناصر الإنتاج. وهي لا تقتصر على جيل دون آخر، وإنما هي عملية متواصلة بحيث يسلم كل جيل من الأجيال مجتمعًا أفضل للجيل الذي يليه. وتقوم التنمية على أساس قيام المسلم بواجب الإعمار الذي هو يستلزم استثمار الموارد وإحياء الموات وتنمية الموارد المادية على اختلافها. وتشمل التنمية بالمفهوم الإسلامي، إلى جانب تنمية الموارد، التنمية البشرية التي تمثل جزءًا أساسيًا وهامًا من التنمية الإسلامية، فتقوم بتنمية الفرد المستخلف وتوفير مستوى الكفاية له على المقاصد الشرعية الخمسة. ملامح الدور الاجتماعي يُعتقد أن قيام المصارف الإسلامية بدورها الاجتماعي يتطلب منها الالتزام بالأسس والمبادئ الشرعية في معاملتها المالية والاستثمارية والتمويلية، بمعنى أن تلتزم بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمفهوم الإسلامي في كل ما تقوم بتمويله من مشروعات وتجتنب الدخول في مشروعات غير ضرورية أو أساسية بالنسبة المجتمع، أو تضر بالجوانب العقيدية أو البيئية أو الاجتماعية في هذا المجتمع. وهي تستطيع أن تقوم بدور اجتماعي بارز عن طريق صناديق الزكاة، خاصة في تلك الدول التي لا تكون فيها فريضة الزكاة مطبقة بصورة إجبارية، وذلك بإخراج زكاة المدخرات والودائع البنكية، وزكاة المساهمين والمتعاملين مع المصرف، بالإضافة إلى استقطاب زكاة الأفراد خارج التعامل مع المصرف، وتعمل على التعرف على المصارف الشرعية لهذه الزكاة وتوصيلها إليهم. كما أنها تستطيع أن تقوم بدور هام في مجال نشر الوعي الإسلامي بطرقه المختلفة من إحياء للوقف الذي يمكن أن يتم في المصرف في صورة وديعة خيرية، ويخصص عائدها لمجال يحدده الواقف، فضلاً عن التوعية من خلال صحف أو برامج أو مسابقات تحفيظ قرآن أو تمويل ندوات حفظ القرآن، وكل ما من شأنه التعريف بأسس ومبادئ هذا الدين، ونشر هذه المعرفة بقدر الإمكان. ونرى هنا التميز الواضح بين هذه المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية التي لا يكون لها من دور إلا تجميع المدخرات، وإعادة إقراضها بسعر فائدة تحقيقًا للربح بعيدًا عن أي التزامات اجتماعية تجاه المجتمع إلا في بعض الحدود الضيقة جداً. وغالباً ما يُشار إلى أن الدور الاجتماعي للمصارف الإسلامية يكون أكثر وضوحًا بالنسبة للتعامل مع الشريحة الأقل حظًا في المجتمع. فهذه الشريحة لها عند هذه المصارف نصيب في زكاة البنك، وما يقوم به من إخراج زكاة المودعين والمساهمين والعملاء. هذا فضلاً عن دورها في التخفيف عنهم فيما يتعرضون له من أزمات مالية عن طريق الحصول على القروض الحسنة التي تعينهم على مواجهة الظروف الطارئة، وتسهم في تحسين المستوى الصحي لهم، والعناية بمكافحة الأمراض العارضة والمزمنة والمستوطنة من خلال المؤسسات الصحية التي ترعاهم، والاهتمام بمواجهة ما يتعرضون له من عاهات جسمية ونفسية وعقلية من خلال توفير الأجهزة التعويضية والخدمات النفسية والصحية ومساعدتهم على مواصلة الدراسة وتحصيل العلوم من خلال إعانتهم على هذه المهمة، سواء بصورة مساعدات مالية مباشرة أو في دعم المؤسسات التعليمية والتدريبية التي ترعاهم، وتسهم في رفع قدراتهم الإنتاجية، وذلك بالإضافة إلى توفير أدوات الإنتاج للقادرين على العمل وتنقصهم الآلة الإنتاجية. بشكل عام تعتبر البنوك القطاع المالي للاقتصاد، ويصطبغ هذا القطاع بسمات الاقتصاد الذي يعيش فيه، ولذلك فإن البنوك في المجتمعات الغربية تصرف كل نشاطها إلى المجالات المالية بعيدًا عن أي دور اجتماعي تستطيع أن تقوم به في الغالب. أما المصارف في المجتمع الإسلامي فهي تلتزم بالمبادئ الإسلامية التي تعتبر أن المال وسيلة المجتمع إلى تحقيق أهدافه وليس المال هدفًا في حد ذاته. ومن هنا، فإن الفارق بين المصارف الإسلامية والبنوك الغربية كبير من وجهة النظر الاجتماعية، ففي الاقتصاد الإسلامي يكون للمال دور اجتماعي يعمل على تحقيقه، وتكون المصارف هي القطاع الذي يقوم بتحقيق هذا الهدف. وهذا لا ينفي أن المصارف الإسلامية تحقق أرباحًا متميزة لا تقل عن الأرباح التي تحققها البنوك التقليدية، ولكن هذه الأرباح لا تغفل العائد الاجتماعي الذي يتحقق للمجتمع ككل، وبذلك يكون ما تحققه من أرباح صافية اقتصادية واجتماعية أكبر منه في حالة البنوك التي تحقق الأرباح الاقتصادية فقط على حساب الكثير من الأهداف الاجتماعية. ومن هنا لا بد من الإشارة إلى أن الصناعة المصرفية الإسلامية لفتت الأنظار إلى أهمية الوظيفة الاجتماعية للأموال واستخداماتها، حيث ركزت في تصميم أنظمتها على تضمين البعد الاجتماعي والإنساني للمعاملات المالية الاستثمارية والمصرفية وذلك من خلال أجهزة الزكاة والقرض الحسن والعديد من أنظمة التكافل الاجتماعي والإنساني، وألقت بثقلها في تمويل ودعم المشروعات الصغيرة والحرفية وخلقت فرص عمل كبيرة وساعدت في أعمال التدريب وإكساب المهارات في العمل المصرفي. فالبنوك الإسلامية هي مؤسسات مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها وتقديم الخدمات المصرفية بما لا يخالف الشريعة الإسلامية ومقاصدها وبما يخدم المجتمع وعدالة التوزيع بوضع المال في مساره الإسلامي السليم. وتنطلق البنوك الإسلامية في عملياتها الاستثمارية ملتزمة الالتزام التام بأسس وأركان الاقتصاد الإسلامي يبرز من بينها في البعد الاجتماعي أكثر من محور مثل التكامل الاجتماعي وتحقيق التوازن في المجتمع الإنساني (مسلمون وغير مسلمين). وربط أهداف التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية.