تاريخ منطقة جازان الأدبي ثري ثراء الأرض، خصب خصوبة العقول ففي جازان عبر التاريخ الطويل،، وميادين الفكر الأصيل، والابداع الجميل تعدد الشعراء عبر ذلك التاريخ وأبدعوا مستلهمين صدق العقيدة، وفيض المشاعر ونقاء الفطرة وسلامة الهدف، ونقاء السريرة. وكان لابد أن يتم جمع ما تفرق ذلك من الابداع في مجال الشعر، وأن يغطي ذلك المجال حقه من البحث والدراسة. وقد اتجه الى هذا المجال الأستاذ "حجاب بن يحيى الحازمي" من الاشراف الحوازم الذين لهم باع طويل في الشعر والأدب. فألف كتاباً أوسمه ب "الشعر والشعراء في جازان خلال ثمانية قرون". وهذا الكتاب يلقي الضوء على شعراء جازان في تلك الفترة من القرن الخامس الى القرن الثاني عشر الهجريين، وهو بهذا العمل يفتح الآفاق أمام الباحثين والمبدعين وأصحاب الاختصاص لدراسة هذا النمط من الفكر في منطقة جازان، فكل قرن أو بالأحرى كل عقد من تاريخ الشعر في جازان بحاجة لوسائل علمية ومزيد من الدراسة والتمحيص. وفي هذا المجال لست بصدد إعداد دراسة نقدية لهذا الكتاب، وإنما يجب القول أن المؤلف أحد أدباء المنطقة وشعرائها، فقد تولى رئاسة نادي جازان الأدبي، وكان له أثر ملموس في ابراز نادي جازان الأدبي كواجهة فكرية في بلادنا المباركة. وقد بدأ المؤلف كتابه بتتبع مسيرة الشعراء في "المخلاف السليماني" جازان حالياً، ابتداءً من القرن الخامس الهجري، وهذا يعود كما ذكر المؤلف إلى أن القرون الأربعة الأولى، قد ضمت كتب الأدب علينا بالمعلومات الوافية عن شعراء المخلاف، لكن أرى أن السبب يعود أن المخلاف السليماني في تلك الفترة لم تقم فيه وحدات سياسية مستقلة تشجع الأدب ويتقرب إلى حكامها الشعراء، ولكن كانت تابعة لدولة الإسلام في عصر الرسول والخلفاء الراشدين، وكذلك الحال في عصر الدولتين الأموية والعباسية إلى أن قام سليمان بن طرف الحكمي بتوحيد المخلاف السليماني. لكن ذلك لا يمنع وجود مبدعين خلال تلك الفترة، لذا يجب العودة الى مصادر تلك الفترة في تلك الدول، وهو أمر فيه صعوبة. وعلى أية حال فقد ذكر المؤلف أن شعراء المنطقة الذين برزوا في القرن الخامس الهجري، وفي مقدمتهم الشاعر احمد بن علي التهامي وعلي بن عيسى بن حمزة بن وهاس الحسني، وآخرون، والشعراء الذين برزوا في القرن السادس الهجري وفي طليعتهم الشاعر المؤرخ عمارة بن علي الحكمي وأبو القاسم بن حسين بن شعيب التهامي وغيرهما وشعراء القرن السادس في منطقة جازان بلغوا شأواً عظيماً من الإبداع في هذا المجال ومنهم القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي والشاعر منصور بن سحبان وكثير غيرهم، كانوا يمتحون من إرث ثقافي باذخ الجذور. وقد أهدى المؤلف كتابه إلى والديه وإلى زوجته أم حسن (الدكتور حسن الحجاب) عميد شؤون الطلاب بجامعة جازان، ثم إلى محبي تراث وأدب هذا الوطن، وبدأ كتابه بمقدمة أوضح فيها سبب تأليفه الكتاب مجيباً على سؤال عادة ما يتم طرحه في المناسبات الثقافية وهو "ألا يوجد مرجع يتحدث عن تاريخ الشعر والشعراء في جازان"؟ ولم ينكر المؤلف جهود العقيلي رحمه الله في هذا المنجال. وقد أتى الكتاب بدراسة علمية لما يقرب لثمانية وأربعين شاعراً في تلك الفترة اضافة الى عدد من الشعراء ممن لم يجولهم إلا بضع أبيات من الشعر خلال القرون الثمانية السالفة الذكر، وقد رجع الباحث في كتابه إلى عدد كبير من مصادر المخطوطة والمطبوعة آثرت مادته العلمية، وأتاحت له الفرصة بالحديث المستفاض عن أولئك الشعراء المبدعين الذين بنوا حركة فكرية رائعة في تلك الفترة. ومما يحسب للباحث استخلاصه لعدد من الشعراء المبدعين الذين ضُم انتاجهم الفكري من قبل المؤلفين اليمنيين إلى اليمن رغم أنهم من أبناء منطقة جازان ومن أسر علمية معروفة، وقد تجاهلت هؤلاء الكثير من الدراسات في بلادنا. ولم يقتصر الحجاب في دراسته تلك على ايراد قصائد الشعراء الذين حفل بهم الكتاب وإنما تطرق الى سيرهم الذاتية وحياتهم العلمية بالاضافة الى التحليل لقصائدهم، ومقارنتها في أسلوب علمي رصين بعيد عن التكلف والمبالغة، من خلال دراسة فكر المراحل الشعرية التي مر بها أبناء منطقة جازان ابتداء من القرن الخامس الى القرن الثاني عشر الهجري.