يعتبر قطاع رجال الأعمال، من القطاعات الحيوية في الاقتصاديات المعاصرة، حيث يمارس دورا أساسيا في تسيير شؤون الاقتصاد، وتحريك قطاعاته المتعددة، وتقوية البنية التحتية للاقتصاد الوطني. حيث أنه يمتلك رأسمالا ضخما، وإمكانات هائلة، يستطيع من خلال إدخالها في الدورة الإنتاجية والاقتصادية للوطن، بأن يساهم في تطوير الاقتصاد وتحسين أدائه وتكثيف حركته الداخلية والخارجية. ويأتي مشروع العولمة لكي يضيف إلى مهمات رجال الأعمال مهمات إضافية،وآفاقا جديدة، تزيد من محوريته في الأداء الاقتصادي القادم. وذلك لأن العولمة، كما يعرفها (أنثوني جيدنيز) بأنها تكثيف العلاقات الاجتماعية الممتدة على نطاق العالم أجمع والتي تربط محليات متباعدة. بحيث أن ألأحداث المحلية تكيفها أحداث تصدر على بعد أميال عديدة وكذلك العكس. ولا شك في هذا السياق "أن قدرات الدول تتناقص تدريجيا بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق الأفكار والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها. فالثورة الهائلة في مجالات الاتصال والمعلومات والإعلام حدت من أهمية حواجز الحدود والجغرافيا. وإذا كان بمقدور بعض الدول أن تحد في الوقت الراهن وبصورة جزئية من التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم إليها من الخارج، فإن هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل وجود العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس على الفضاء. كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية يحد من قدرة الحكومات على ضبط الأمور، مما سيكون له تأثيره بالطبع على سياساتها المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم المالية والاقتصادية". وعلى مستوى الاقتصاديات المعاصرة، كان لقطاع رجال الأعمال الدور الأساسي في نشوء الشركات الاقتصادية والتجارية الضخمة، إذ بدأت الكثير من الشركات برأسمال شخصي أو عائلي ومن ثم تحولت إلى شركة دولية عابرة للقارات.. والعالم الذي نعيشه يتجه في الكثير من أموره وقضاياه إلى التكتل والتجمعات الاقتصادية والسياسية والتقنية والتجارية.. ولا شك أن لهذا التكتل جدوائيته الاقتصادية والمالية.. لهذا نجد الكثير من المؤسسات تتجه إلى هذا النمط من العمل والإدارة. وتأسيسا على هذه الحقائق نوجه دعوتنا إلى مؤسساتنا الاقتصادية الأهلية ورجال الأعمال، ونؤكد على المسألة التالية: إن العديد من المؤسسات والشركات الاقتصادية والتجارية الخاصة، قد تأسست واستمرت في العمل الاقتصادي والتجاري على يد مالكها ومؤسسها الأول ولا شك أن مالك المؤسسة أو الشركة، قد حقق إنجازا اقتصاديا هائلا في تأسيسه إلى هذه المؤسسة أو الشركة. لهذا فإننا نرى ومن أجل ضمان استمرارية المؤسسات الاقتصادية والتجارية التي أسسها الرعيل الأول، نرى من الضروري أن تتحول هذه الشركات والمؤسسات إلى شركات مساهمة يكون نصفها أو 49% من أسهمها للمؤسس الأول إلى تلك الشركة.. وبهذا تتمكن هذه الشركات من تحقيق عنصرين أساسيين للاستمرار في المنافسة الاقتصادية والتجارية، وهما عنصر الاستقرار، الذي يتحقق من خلال استمرار الخبرة السابقة، وعنصر التجديد والتطوير الذي يتحقق من خلال المساهمين الجدد في الشركة. وهذه الدعوة إلى تحويل الشركات والمؤسسات الاقتصادية الشخصية أو العائلية إلى شركات مساهمة، تأخذ مشروعيتها وجدوائيتها من خلال النقاط التالية: 1- أن الكثير من أبناء مجتمعنا ينتمي إلى الطبقة الوسطى، وهي شريحة اجتماعية اقتصادية واسعة، وتتسم بأنها لا تملك القدرة الكافية لتأسيس مشروع اقتصادي أو تجاري ضخم. وفي نفس الوقت تمتلك قدرة مالية جزئية فائضة عن حاجتها اليومية. لذا فإن تحويل المؤسسات التجارية والاقتصادية الضخمة إلى شركات مساهمة، يدفع بأبناء الطبقة الوسطى إلى إدخال الفائض المالي الذي يمتلكوه في هذه المؤسسات والشركات.. وبهذا تتوسع القاعدة الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية والتجارية، ويتوسع من جراء ذلك معدل التوزيع والتسويق. ولهذا نجد أنه في أي وقت تطرح مؤسسة تجارية أو شركة اقتصادية أسهمها للبيع يتسارع أبناء الطبقة الوسطى لشراء بعض الأسهم وإخراج مدخراتهم المالية، ويدخلونها في الدورة الإنتاجية والاقتصادية لتلك المؤسسات أو الشركة. 2- إن هذا النمط الاقتصادي (تحويل الشركات الضخمة إلى شركات مساهمة) يعد أحد الوسائل المهمة والفعالة لتشجيع المدخرات الفردية، وإدخالها في دورة إنتاجية وطنية، والابتعاد عن الأنماط الاستهلاكية التي تبدد الثروة والمدخرات في أطر وأوعية لا ترجع بالفائدة على الاقتصاد الوطني. كما أن فسح المجال لاستيعاب مدخرات المواطنين في شركات ومؤسسات اقتصادية وطنية، يعد طريقة وأسلوبا حضاريا في ترشيد الاستهلاك والإنفاق لدى المواطنين. وقد أثبت هذا الأسلوب فاعليته في دول شرق آسيا ذات الاقتصاد المتطور بشكل سريع.. إذ أنها تشجع مواطنيها على الادخار والاستثمار في مشروعات صناعية وتجارية بفوائد منخفضة، ولهذا تتمتع هذه الدول باقتصاديات متطورة وأوضاعا تعليمية وخدمية وصحية هائلة. "فطفل تايواني ولد في عام 1988م يمكن توقع أن يعيش 74عاما وهذا رقم أقل بعام واحد منه في الولاياتالمتحدة أو ألمانياالغربية، وأكثر بخمسة عشر عاما منه من طفل تايواني ولد عام 1952م وطفل كوري ولد عام 1988م يمكن توقع أن يظل 75عاما فوق الأرض بدلا من 58عاما في عام 1965م وفي عام 1988م ضم غذاء التايواني50% أكثر من الطالورات في كل يوم مما كانت عليه الحال قبل 35عاما. ويمتلك التايوانيون من التلفزيونات والهواتف والسيارات (200) ضعف ما كانوا يمتلكونه عام 1965م والحال في كوريا في هذه المجالات أكبر بكثير". والفضل في ذلك يرجع، إلى النمط الاقتصادي القائم على تشجيع الادخارات الفردية، ومن ثم إدخالها في مشروعات اقتصادية أو تجارية عامة. 3- إن الشركات والمؤسسات الاقتصادية العملاقة وذات التأثير الدولي اليوم، لم تتشكل من جهد فردي فقط. وإنما عن طريق اندماج الكثير من الجهود الفردية والمؤسسات الصغيرة. فالمؤسسة الاقتصادية الصغيرة في عالم اليوم، لا تملك القدرة والإمكانيات اللازمة للنجاح والتفوق في عالم الاقتصاد والتجارة، ولكن اندماج هذه المؤسسات وتوسيع قاعدة المساهمين فيها، يصنع مؤسسة ضخمة وذات أبعاد وجهود متعددة، مما يضمن لها البقاء والمنافسة في سوق المال والاقتصاد. ولقد ارتبط نشوء الشركات الاقتصادية والتجارية الضخمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا بالازدهار الاقتصادي والانتعاش التجاري الذي حدث في بدايات القرن الميلادي الماضي. وقد بدأت هذه الشركات على حد تعبير (بول كنيدي) بأشكال جنينية في البنوك الكونية الخاصة، التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، حيث ساعدت على نمو ثورة الاتصالات الأولى التي تجسدت في اختراع جهاز البرق وغياب الحروب بسبب تحالفات القوى العظمى مع بعضها البعض. ففي عام 1900م على سبيل المثال لدى بيت روتشيلد فروع في كل من فرانكفورت وفيينا وباريس ولندن وكانت جميعا على اتصال يومي فيما بينها.. وقبيل عام 1914م كانت شركة لويدز - لندن - قد اعتمدت لدى القطاع الأعظم من صناعة السفن الألمانية كشركة للتأمين على السفن الألمانية.. كما كانت لدى شركة (ليفربرذرز) والتي كانت تعرف باسم (يونيليفر) قبل ذلك مصانع إنتاجية، تمتد من غرب أفريقيا إلى الهند.. إضافة إلى تلك الشركات العملاقة، التي كانت تحتكر صناعة النفط (تنقيبا - تكريرا - تسويقا) واستمرت هذه الشركات العملاقة في التحكم في المصائر الاقتصادية، للكثير من الشعوب والدول. كما أنها استطاعت أن تتجاوز العقبات والعراقيل المالية والإدارية والاقتصادية والسياسية، التي كانت تعترض طريق نموها وحركتها العالمية. وفي إطار التقدم الهائل في تقنية الكمبيوتر والبرمجة الحديثة والأقمار الصناعية وكيبلات الألياف البصرية والتحولات الإلكترونية ذات السرعة العالية بحيث أضحت الأسواق العالمية سوقا واحدة، اتجهت العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية إلى تدويل نفسها.. بحيث أصبحت عشرات الشركات بل المئات تنتج وتبيع في جميع مناطق العالم الاقتصادية الأساسية. ويوضح (بول كنيدي) في كتابه (الاستعداد للقرن الحادي والعشرين) خلفيات تدويل الشركات لأنشطتها بقوله: ذلك أنه وبالإضافة إلى الأرباح التي تجنيها الشركة من وفرات الحجم، فإنها تأمل أيضا أن توفر لنفسها حماية من الآثار السلبية للتقلبات النقدية. والنمو الاقتصادي المتباين والتدخلات السياسية.. أن حصول كساد في أوروبا لن يثير قلقا كبيرا لدى شركة تعمل أيضا في أسواق شرقي آسيا المزدهرة.. ولكن هذا القلق سيكون كبيرا فعلا لدى شركة تعتمد تماما على مبيعاتها في أوروبا. وهكذا تحاول الشركات الضخمة والمؤسسات الاقتصادية العالمية، أن تتجاوز العراقيل والمعضلات الاقتصادية والتسويقية، التي تقف حائلا بين الأسواق العالمية، ومنتجات تلك الشركة أو المؤسسة. وخلاصة القول: أن نظام الخصخصة التي تتجه إليه بلادنا، يتطلب من رجال الأعمال، التفكير الجدي في تحويل بعض مؤسساتهم الاقتصادية والتجارية الضخمة إلى شركات مساهمة، لما له من أثر إيجابي على مسيرة الاقتصاد الوطني، حيث أنه يوسع من دائرة القاعدة الاجتماعية للمؤسسة الاقتصادية، ويوظف مدخرات المواطنين في مشروعات ومؤسسات إنتاجية، تخدم حاضر الوطن ومستقبله. ويبدو من العديد من المعطيات والمؤشرات، أن المشهد الاقتصادي الوطني، شهد خلال الشهور الماضية جملة من التحولات والتغيرات الإيجابية سواء على المستوى التشريعي والقانوني، أو على مستوى التحالفات والتكتلات الاقتصادية الجديدة. ففي أوائل مايو الماضي أعلنت الحكومة حظر تولي الوزير رئاسة مجلس شركة أو الدخول في عضوية مجلس الإدارة. وأعلنت مجموعة من الشركات والمؤسسات عن اندماجها التام على المستوى الإداري والاقتصادي. إذ تحولت شركة (فتيحي) إلى شركة مساهمة وشركة المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وشركة جدة القابضة وغيرها من الشركات والمؤسسات. إذ تحولت مجموع هذه الشركات من شركات خاصة أو ذات مسئولية محدودة إلى شركات مساهمة. ويقدر عدد الشركات المساهمة في المملكة ب ( 494شركة). ولاشك أن هذه الخطوات في المنظور التجاري والاقتصادي، تعد خطوة هامة وضرورية، لكي يتمكن القطاع الخاص من ممارسة دوره المتميز في مشروعات الاقتصاد الوطني. والواجب الوطني يدفعنا إلى القول بضرورة المزيد من الالتزام بمقتضيات الانتماء الوطني والقومي، والقيام بخطوات نوعية من أجل المزيد من التعاون والتكتل والاندماج لتوفير مستلزمات المنافسة والدخول المتميز في السوق الإقليمية والدولية بمؤهلات وإمكانات نوعية. وإن العولمة بما تحتضن من مؤسسات اقتصادية وتجارية ومالية ضخمة، تحمل رجال الأعمال في المجالين العربي والإسلامي مسؤوليات وتحديات ضخمة. إذ أن السعي المتواصل لرجال الأعمال في المجال الغربي لتكثيف إمكاناتهم وحشد طاقاتهم وقدراتهم وتطوير مستوى التعاون مع بعضهم، يؤكد في المقابل ضرورة أن يسعى رجال الأعمال في مجالنا العربي والإسلامي، إلى رفع وتيرة التعاون مع بعضهم وإنجاز مشروعات مشتركة تخدم طموحاتهم التجارية والاقتصادية، كما تقدم خدمة فضلى إلى واقعنا الاقتصادي والمالي. فرجل الأعمال الواحد مهما أوتي من إمكانات مالية ضخمة، إلا أنه لا يستطيع أن ينافس الآخرين .ذلك لأن الواقع الاقتصادي والتجاري الدولي اليوم قائم على الإندماجات والشركات الضخمة التي تحتضن رساميل مالية طائلة. من هنا فإن العولمة وما أفرزته من حقائق جديدة على المستويين الاقتصادي والتجاري، تدفعنا إلى ضرورة تحفيز وتشجيع رجال الأعمال في مجالنا العربي والإسلامي إلى تأسيس قنوات للتواصل والتعاون مع بعضهم البعض، وذلك من أجل الدخول في السوق الاقتصادية بإمكانات تسمح لهم بالمنافسة والتميز. ولقد اشار رجل أعمال عربي (4) أن البنوك العربية الخمسين الرئيسية، مجتمعة، لا تعادل حجم بنك غربي واحد كالستي بانك. وأشار آخر إلى أن شركات التأمين العربية، مجتمعة، لا تملك موجودات توازي نصف موجودات شركة تأمين مثل الأليانس الألمانية أو الأكسا الفرنسية. ففي عصر العولمة والسوق الحرة، لا يمكن لرجال الأعمال أن يبقوا مكتوفي الأيدي، أو يديروا شؤونهم وأعمالهم بعقلية ما قبل العولمة والتحولات النوعية في مسار الاقتصاد الدولي. وإنما من الأهمية بمكان توفير أطر ومبادرات تؤسس لفعل جديد قوامه المزيد من توسيع القاعدة الاجتماعية والاقتصادية للمؤسسات والشركات الاقتصادية الوطنية. وإن الاستجابة الحضارية والفعالة لتحديات العولمة ونمط الكوكبة الذي أضحى سمة هذا العصر، هو انطلاق رجال الأعمال في اندماجات وتكتلات، تزيد من قوتهم، وتركز من جهدهم وعملهم، وتتناغم مع متطلبات السوق والمنافسة الحرة. وهذا بطبيعة الحال، يتطلب من هذه الشريحة وعيا حادا وعميقا بجوهر التحولات والتطورات التي تجري في الواقع الاقتصادي العالمي، كما تتطلب ثقافة اقتصادية جديدة، تعلي من شأن التعاون والتضامن والتكتل والاندماج. وهذا كله أيضا، بحاجة إلى إرادة سياسية مستديمة، تحمي هذه الطموحات، وتذلل العقبات أمامها، وتوفر إمكانية ترجمتها إلى حقائق ووقائع في المحيط الخارجي.