* في يوم الخميس الماضي، دُعي آلان جرينسبان، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، للاستجواب أمام (لجنة الإشراف والإصلاح الحكومي) في مجلس النواب لتوضيح دوره في الأزمة المالية الحالية، حين كان حاكماً للبنك المركزي لمدة 18عاماً ( 1988- 2006م)، وكانت آراؤه ومقترحاته حينها تلقى تقديراً واحتراماً كبيرين داخل الحكومة وخارجها، نظراً للاستقلالية الكبيرة التي يتمتع بها رئيس البنك، فالرئيس يعيّنه بموافقة مجلس الشيوخ، ولكنه لا يملك إزاحته من منصبه، ويمارس شاغلو هذا المنصب دوراً كبيراً في رسم السياسة الاقتصادية بشكل عام منذ إنشاء البنك عام 1913م، وخاصة منذ بدأ التركيز على السياسة النقدية وتقليل التدخل الحكومي في الثمانينات. وكان آلان جرينسبان يوم الخميس غير جرينسبان الذي عرفه متابعو حضوره المتميّز، فقد كان متواضعاً، يُبدي أسفاً واضحاً على بعض القرارات التي سبق اتخاذها، واعترف بأنه فوجئ كغيره بحجم الأزمة، رغم التحذيرات المتكررة منذ عام 2004م. وفي حين يقدّر المرء شجاعته في الاعتراف بالخطأ، فإن ما يهمني هنا ما قاله حول الدور الحكومي في تصحيح مسار أسواق المال والعقار. سأله رئيس اللجنة (هنري واكسمان من كاليفورنيا) عما إذا كان مخطئاً في سياساته التي أسهمت في الأزمة، فرد جرينسبان بالإيجاب، فالارتفاع غير المسبوق في أسعار العقار أدى إلى فقاعة كان من الممكن الحيلولة دونها، نظراً إلى أن القانون الأمريكي، خاصة قانون Home Owner Equity Protection Act الصادر عام 1994م يعطي البنك المركزي صلاحيات واسعة في تنظيم سوق الإقراض العقاري. ومع اعترافه بالخطأ، إلا أن جرينسبان ألقى باللائمة أيضاً على السوق المالية إذ ان التوسع في إنتاج "المشتقات" derivatives في السوق المالية، وما يُسمّى mortgage securitization أي تحويل الرهون إلى أوراق مالية قابلة للتداول دون قيود، قد أديا إلى انتشار الأزمة العقارية في جميع أجزاء الجسم الاقتصادي الأمريكي. حيث استُخدمت تلك المشتقات في إعادة تسويق الرهون العقارية المبالغ في أسعارها، فعندما فشلت تلك الرهون فشلت معها مشتقاتها وجرّت معها المؤسسات المالية التي تملكها. ومن ضمن ما اقترحه جرينسبان أن تلزم الحكومة مستقبلاً الشركات المنتجة للمشتقات بأن تحتفظ بجزء كبير منها. إن أطروحات جرينسبان بضرورة تدخل الحكومة في أسواق المال والعقار جديرة بالاهتمام والدراسة، فالإيمان الأعمى باستقلالية الأسواق وقدرتها على تصحيح مسارها بنفسها هو ما أوصل الاقتصاد العالمي إلى هذه الأزمة. والتدخل الحكيم من خلال الإدارة الرشيدة للاقتصاد هو ما سيخرجه من هذا النفق بل قد يمنع تكرار الأزمة مستقبلاً. ومن حسن حظ دول مجلس التعاون أنها تمرّ بفترة وفرة غير مسبوقة، مما يتيح لصانعي القرار أدوات عديدة للتدخل الحميد في الأسواق وتصحيح مسارها.