لقد تميز عصرنا الحاضر بوجود الاحلاف والتكتلات والتجمعات الدولية، وبصورة اكثر وضوحا، سواء عسكرية او سياسية او اقتصادية بسبب تداخل المصالح. ايضا، سهولة المواصلات وثورة الاتصالات وتقنية المعلومات التي الغت الحدود الجغرافية وقربت المسافات بين الدول وشعوبها ووفرت منصة حيوية لتعزيز تعاون مشترك اكثر فاعلية. في خضم هذه المتغيرات والتكتلات الدولية المتسارعة وظهور ما يسمى بالعولمة ومنظمة التجارة العالمية من اجل السيطرة الاقتصادية وبالتالي السيطرة السياسة والعسكرية، برزت مفاهيم اخرى كمفهوم الاقتصاد المعرفي وتوسيع نطاق التجمعات المعرفية ليشمل جميع مؤسسات الدول ذات العلاقة ومنها الجامعات. والتعاون المعرفي والعلمي او التجمعات ليس بمنأى عن هذه المفاهيم فقد كان اول تعاون معرفي تأسس عام 1900م يسمى "برابطة الجامعات الأمريكية " AAU وقد كان عدد أعضائها عند التأسيس اربع عشرة جامعة أمريكية وزداد عددها في الوقت الحاضر حتى تجاوز ستين جامعة.وتهدف هذه الرابطة للتعاون البحثي العلمي وقضايا التعليم الجامعي والمهني وتطويره والسيطرة المعرفية وقد اعطت تفوقاً معرفياً مبكراً لدولها وشرفاً لمن ينضم إليها. وقد برزت تجمعات وروابط جامعية دولية اخرى كرابطة الجامعات الأوربية البحثية LERU و هيئة تكساس العالمية ومجموعة ريسيول البريطانية The Russell Group ومجموعة الثمانية الاسترالية G8 وشبكة الجامعات الاوربية...الخ لتساهم بالتفوق العلمي المعرفي لدولها وشعوبها وتهتم بجودة التعليم العالي وتشارك في بناء الاقتصاد المعرفي. ودولتنا-حفظها الله- اخذت بعاتقها الأخذ بأسباب التطور العلمي والتقني، وتكوين قاعدة علمية متطورة لمستقبل زاهر-ان شاء الله- وذلك من خلال انشاء المدن الاقتصادية ومدن المعرفة والتقنية وافتتاح الجامعات العلمية التطبيقية في كل منطقة وابتعاث آلاف الطلبة في التخصصات العلمية والنادرة والجوائز التحفيزية للمبدعين ودعم كراسي البحث العلمي ومراكز التميز وحزمة البدلات والحوافز لاعضاء هيئة التدريس التي اقرت اخيرا، والعمل على نقل المجتمع من مرحلة التعليم العام إلى مرحلة التعليم العالي، ومن مرحلة التلقي إلى مرحلة الإنتاج المعرفي. ان افتتاح تلك الجامعات الحكومية والخاصة والكليات الاهلية موزعة على مناطق المملكة وإنشائها على احدث مواصفات عالمية، يحتم على تلك الجامعات التعاون والتكامل فيما بينهم من اجل مصلحة عليا، هي مصلحة الوطن. ان التعاون التكاملي بين جامعات المناطق المتقاربة او تجمع مجموعة من الجامعات الوطنية في أي شكل كان، فمثلا جامعات الشمال (الجوف، حائل، تبوك، الحدود الشمالية، جامعة الامير فهد بن سلطان الاهلية..الخ) وجامعات الجنوب (الملك خالد، جازان، نجران، الباحة...الخ) وهلم جرا للجامعات الاخرى، أرى اهميته في أوجه عديدة، منها: 1- العقود المشتركة مع جامعات اوهيئات عالمية. 2- الانظمة الاكاديمية والمالية والادارية 3- التعاون الالكتروني في انظمة القبول والتسجيل والتعليم الالكتروني والتعليم عن بعد والاشتراكات في قواعد البيانات الدولية والمكتبات الرقمية ومكتبات الوسائط المتعددة وشراء البرمجيات العلمية التعليمية...الخ وهي خطوة عملية للحكومة الالكترونية. 4- تنسيق القبول والتسجيل من اجل استيعاب افضل للطلبة وعدم ازدواجية في القبول، ولنا في جامعات مدينة الرياض قدوة حسنة. 5- شراء الكتب والمعامل وتجهيز المكتبات ومراكز مصادر التعلم. 6- ربط المكتبات وتوحيد انظمة الاستعارة بحيث يستطيع الطالب او الاستاذ معرفة محتويات مكتبات جامعات هذا التعاون، عن طريق الاتصال او الربط الالكتروني، وان يستعير أي كتاب او CD ...الخ، يخدمنا في ذلك وجود خدمات البريد السريع او بريد خاص بهذا التعاون، كربط مكتبات جامعات وكليات ولاية اوهايو الامريكية OhioLINK. 7الاستفادة من الخبراء والمستشارين الزائرين لأي جامعة في هذا التعاون. 8- المناهج والخطط الدراسية المتميزة 9- الجودة والاعتماد الاكاديمي الدولي 10-استقطاب الكوادر البشرية من اساتذة ومحاضرين وتدريبهم بدورات مشتركة مستمرة 11-التعليم التعاوني، أي الاستفادة من الكفاءات الموجودة بجامعة دون الاخرى، خصوصا في المجالات النادرة وقلة المتخصصين كبعض التخصصات الطبية والهندسية...الخ. 12-البحث العلمي: توحيد الجهود البحثية وتنسيقها بين هذه الجامعات 13-المؤتمرات والندوات وورش العمل المشتركة 14- عدم الازدواجية في الانظمة وتكرار نفس الاقسام الا عند حاجة سوق العمل..الخ. ان هذا العصر، عصر توجه الدول المتقدمة نحو مجتمع المعرفة وتشكيل تجمعات بحثية وتعليمية متقدمة، ولإيمان تلك الدول باهمية دور الجامعات ومراكز البحوث في تسهيل وتكوين المعرفة ونقلها لبناء الاقتصاد المعرفي. ليس هناك شك بان التعاون والتكامل والتنسيق بين تلك الجامعات يساعد- باذن الله- في خلق بيئة روح التعاون الايجابي المبني على الاستفادة من الامكانيات المتوفرة في الجامعة الاخرى بدلا من روح التنافس السلبي الداخلي الذي سيصبح عائق لانطلاق في افق عالمي أوسع. وربما يكون مفيدا لتقليل التكاليف المالية والوقتية وفرصة لاكساب الخبرة للجامعات الجديدة من هذا التعاون ومن الجامعات الاخرى ذات الخبرة ليكون اندماجاً علمياً وبالتالي تصبح جامعاتنا بيت خبرة مع الزمن ومحترمة اقليمياً ودولياً في المستقبل القريب. ان اهتمام دولتنا الرشيدة بتطوير الانسان من خلال اهتمامها بالتعليم بشقية (العام والعالي) يجعلنا نفكر بمنهجية علمية متقدمة ومغايرة لفكرة التعاون التقليدي لتصبح جامعاتنا جامعات تعاونية تكاملية، أي ان هذه الجامعات التي تحت مظلة هذا التعاون تصبح مكملة لبعضها البعض وكفروع لجامعة ضخمة لامركزية، من اجل الاستفادة لتكون مجتمعةً شريكاً في بناء الاقتصاد المعرفي لخدمة وطن معطاء. في بداية هذا العام الدراسي الجديد، احببت ان اطرح هذه الفكرة لربما تجد أذناً صاغية لها، وكل عام وانتم بخير. فاصلة: " في الاقتصاد المعرفي، تطور الإنسان لا يعتمد على امتلاك الأكثر بل على أن يكون هو الأكثر، هو المساهم في خلق مستقبل الإنسانية" د. توماس مالون @ عميد كلية الهندسة المكلف -جامعة الجوف