من أيام سمك "المسقوف" و"البلم:قارب نهري"، ومن حكاية الزوج الضائع الذي ضحى بحفل زفافه من أجل سهرة على شاطئ "كاظمية" بغداد مع الأصدقاء، وحين عاد بعد أن تفرق المدعوون قال لحماته بلهجة عراقية محببة "ويعني شنو؟ تريدوني افوت اكلة المسقوف على مود بنتكم؟!" تبدأ الأيام العراقية التي سردها الكاتب العراقي خالد القشطيني بلغة سردية بسيطة ومترابطة في آخر إصداراته، ممتزجة بعبارات من اللهجة العراقية المحكية. تضم هذه الأيام حياة العراق وتاريخه، تفاصيل حياة الناس وهمومهم ونكاتهم وتطلعاتهم، تضم التاريخ الاجتماعي المسكوت عنه والمهمل الذي فتش القشطيني في زواياه عن ما هو ملفت ويستحق التدوين والاهتمام، عن حكايا السهرات البغدادية على نهر دجلة، وانقسام الناس بين "مدشدشين ومبنطلين" أي بين من يلبس الثياب وبين من يلبس البنطلونات، حيث "الوزير المدشدش" الذي قابله "أفندي: من يلبس البنطال" في إحدى مقصورات الدرجة الأولى لقطار بغداد - البصرة، وبعد كمية من الشتائم للدولة والحكومة يفاجئ هذا "الأفندي" بأن لابس "الدشداشة" ما هو إلا وزير المالية آنذاك الحاج عبدالرحمن شلاش! في منظر غير معتاد لوزير "مدشدش". القشطيني في أيامه العراقية، ينحاز للإنسان، يفتش عن النقاط المشتركة بين البشر، عن الملك فيصل ونوري السعيد وهم يخوضون رحلة نهرية بأحد "أبلام" دجلة مع "دعبول"، والشيخ محمد باقر الشبيبي الذي بث همومه برسائل إلى الأب انستاس ماري الكرملي، من رهبان الديانة المسيحية في بغداد، والذي تعلم على يديه اللغة الفرنسية، لتجد في هذه الأيام ساكن الريف وساكن المدينة، المتعلم والجاهل، والعربي والكردي، والمسلم والمسيحي واليهودي، السيد نوري ثابت "السني" الذي درس في المدرسة الجعفرية، والمدرسين النصارى الذي كانوا كما يقول القشطيني: نصارى يعلمون مسلمي العراق دينهم. لتجد الفسيفساء العراقية بكل ألوانها وتجلياتها وعبق تاريخها تتعايش جنباً إلى جنب، في صرخة هادئة من القشطيني لاستدراك هذا العراق ولو على سبيل القلم. ضم كتاب القشطيني قرابة الواحد والستين عنواناً داخلياً، منها على سبيل المثال: بين الريف والمدينة، درس من الموتى، حبزبوز والمثقف العربي، أيام الكهرباء، أيام الهوزوز، سودنوني هالنصارى، دعبول والملك فيصل، حكومة بالمناقصة، أدب الحمامات، الشاعر والخدود الحمر، أيام مقهى الزهاوي، قصر الرحاب وقصر النهاية، الضوضاء علامة الغباء، أستاذي الملا حسين، سمراء من قوم عيسى، الكعكة والعركة، أيام اللمبجي، عصرنا الذهبي، أيام السعيد، أيام الرصافي، العراق في انتقاله، الرصافي في فقره، خذو الحكمة من شيخ العرب. خالد القشطيني كاتب عراقي درس القانون وفن الرسم في بغداد والفن والمسرح في لندن، يكتب في صحيفة الشرق الأوسط، ومن مؤلفاته المجموعة القصصية "من شارع الرشيد إلى أكسفورد" و"على ضفاف بابل" وهي رواية صدرت مؤخراً عن دار الكوكب، وكتاب "السخرية في السياسة العربية"، كما له العديد من الكتابات المنوعة المنشورة باللغة العربية حول فلسطين والصهيونية واللاعنف، وله بعض المسرحيات باللغة الإنجليزية. "أيام عراقية" من إصدارات المجلس العراقي للثقافة، الطبعة الأولى 2008م، وتوزيع الدار العربية للعلوم ناشرون، ويقع في 191صفحة من القطع المتوسط.