منذ ولادة السينما والسويديون بمختلف مجالاتهم يحاولون أن يحصلوا على مكانة بارزة لهم في خريطة السينما العالمية، ابتداء من فيكتور سجوستروم وأثره في السينما العالمية الصامتة ومرورا بغريتا غاربو كأحد الوجوه الجميلة التي غزت هوليوود في العصر الذهبي، وانتهاء بانغمار بيرغمان كأحد أهم من أثرى الفن السابع بإبداعاته السينمائية. وحتى ولو كان جميع هؤلاء المبدعين قد فارقوا الحياة، فإن السويد لازالت متمسكة بمن يمثلها في المحافل السينمائية الدولية بشكل أو بآخر، حتى ولو كان مخرجاً يبلغ من العمر 65عاماً ولا يملك سوى أربعة أفلام روائية فقط. إنه "روي اندرسون" الذي عرفه جزء يسير من السينمائيين لأول مرة عام 1970في مهرجان برلين بفيلمه الأول "قصة حب سويدية" الذي نجح نجاحاً باهراً أرغمه على إطلاق فيلمه الثاني "جيلاب" 1975ليعتزل وقتها المجال السينمائي لمدة خمسة وعشرين عاماً تفرغ فيها لإخراج الإعلانات التجارية حتى فيلمه الأجمل والأشهر "أغاني من الطابق الثاني" الفائز في دورة مهرجان كان عام 2000بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. يرى أندرسون بأن السينما افتقدت مع الزمن الكثير من قوتها البصرية على حساب الاهتمام بالحبكة والقصة، لذلك فإن أفلام اندرسون شبيهة جداً باللوحات التشكيلية، مليئة بالتفاصيل وذات عمق بصري. في فيلمه "أغاني من الطابق الثاني" يتجلى ذلك المفهوم البصري لدى بكل وضوح وغرائبية، إن أمكننا إطلاق ذلك الوصف على سينما هي ما بين سريالية "دالي" وتهكمية "مونتي فاينتونز". ففي هذا الفيلم، كما هو الحال في فيلمه الأخير (YOU. THE LIVING) العام الماضي لا يحتوي الفيلم سوى على مشاهد طويلة وثابتة بزوايا تصوير واسعة، كل المشاهد تم التقاطها من نفس الزاوية، وجميعها بدون قطع، مجموعة من الحكايات الساخرة تؤلف فيما بينها انسجاماً خاصاً، شعرياً في فيلم "أغاني من الطابق الثاني" وموسيقياً في "أنتم، الأحياء". "أغاني من الطابق الثاني" يبث في روح المشاهد نوعاً من الكآبة لشدة سخرية أندرسون من الإنسان المعاصر لسذاجته وطمعه وكونه جزءاً من مؤسسة ضخمة فارغة أخلاقياً، كل هذا يقال ضمن الحكايات العديدة التي يحتويها الفيلم لأب يحرق مؤسسته ويدخل صناعة بيع التماثيل الدينية وشاعر يصاب بالجنون، والعديد من الخيالات والأحلام الجامحة المنفذة بطريقة "الإسكتشات". النجاح النقدي الذي حظي به الفيلم جعل روي اندرسون بمصاف أهم مخرجي السينما السرياليين.