يقول الشاعر أبو تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحبُ إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزلِ تحضر (وبقوة) ذكريات حي المعيقلية في نفسي وخاطري؛ عندما يحل شهر رمضان؛ الحي الطيني الذي ولدت فيه؛ وكنت أزوره كثيراً أيام طفولتي التي قضيتها بين الظهيرة والعطايف والقرينين؛ والعامة تقول لمن يُحب شيئاً (سره مقطوع فيه) فالداية أو القابلة التي ساعدت الوالدة؛ قامت بقطع سري في المعيقلية بكل تأكيد؛ واستمرت زياراتي للمعيقلية إلى بداية سن الشباب؛ بل حتى اكتمال سن الرجولة؛ لذا لا يزال حب المعيقلية في القلب متربعاً وزيارته تجول في خاطري بعد أن تعذرت زيارته منذ خمس عشرة سنة أو تزيد؛ عندما أُزيل الحي ليحل مكانه أسواق حديثة وفارهة؛ لكنها تحمل عبق الماضي وجماله؛ أما لماذا في رمضان بالذات فلا أعرف السبب؛ وقد يكون رائحة السنبوسة والشعيرية داخل منازلنا هذه الأيام؛ والتي عرفتها وتذوقتها لأول مرة في منزل المعيقلية؛ وظلام الليل خارجه آنذاك؛ الذي هو كلمانحتاجه في لعبة (عظيم سرا) في سكيك وأزقة المعيقلية؛ كنت أمر وأتجول في حي المعيقلية؛ مبتدئاً من الجهة الجنوبية؛ حيث سوق الربابين (من يربون الدلال والأواني النحاسية) بجانب سوق الحمام والطراطيع؛ ومنزل شاب معاق أو متخلف عقلياً آنذاك يُدعى (الرعيب) لا يبرح عتبة منزله (كتبت عنه منذ سنين طويلة) لا أدري هل الناس يتفرجون عليه أم هو يتفرج على الناس؛ كان منزل المعيقلية يطل على جهتين أو شارعين(زاوية) أحدهما (سكة سد) تعلو مدخله (الطرمة) حيث فعاليات ألعاب الطفولة؛ وكما ان هناك بعض الأكلات لا نراها إلا في رمضان مثل السنبوسة والشعيرية؛ فالألعاب أيضا تنحصر في طاش ماطاش وعظيم سرا؛ وكان الأطفال فيما مضى يصنعون مايلعبون به من مواد خام موجودة؛ فالكعابة وعظيم سرا من عظام الأغنام؛ والسيارة يتم تصنيعها بدئاً من الكفرات؛ من أغطية المشروبات الغازية؛ نقوم بثقبها من المنتصف وإدخال إلاستك (مغاط) لرصها وتجميعها بما يشبه الحلقة الدائرية؛ وشدها (داير مادار) على مكرة رماها الأهل بعد نفاذ مابها من خيوط مكينة الخياطة (سنجر) فتكون عجلاً (كفر) نُدخله مع آخر ونثبته في سيم صغير؛ بعدها نقوم بتثبيتهما بسيم حديد طويل (جسم السيارة) نأخذه من حديد عمارة تُبنى في شارع الشميسي الجديد أو القديم؛ وسيم صغير آخر(دركسون) في الأعلى؛ والمرحلة الأخيرة هي (زبرقة) السيارة باللونين الأزرق والأبيض وتركيب البوري؛ وكل عام وأنتم بخير؛ وإلى سوانح قادمة بإذن الله.