يمكننا أن نحترز من النكبات التي يرمينا بها القدر ولكن ليس من تلك التي نجرّها شخصيّاً إلى أنفسنا، هكذا يعتقد الصينيون القدماء وهكذا هو بالفعل واقع حياتنا اليوم فالبعض يحترز من النكبات ويعمل الاحتياطات لدرء الأخطار الصغيرة ولكنه يجر إلى نفسه الكوارث حين يُهمل أو يستهتر في أمور كبيرة، بالأمس والفضاء الصامت يجتر الوقت انطلق صوت الأذان مُعلناً غياب شمس يوم من أيام رمضان ليأذن بكسر الصيام وبل الريق بجرعات من الماء تُرطّب الحلوق اليابسة وفي ذات اللحظة يدويّ صوت صرير مُزعج يسبق ارتطاماً مكتوماً، فصمتٌ جليل تحفّة تسابيح هامسة "اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت وعليك توكّلت فاغفر لي ذنوبي" والكون الخاشع يشهد انسلاخ جلد النهار ليحل الليل من بين أعطاف الشفق الدامي في السماء وعلى سطح الإسفلت، ثم صوت صفارة سيارة الطوارئ يشق سكينة اللحظة المُترعة بالتوجّس ورائحة الدم الطازج، خرج المُفطرون للصلاة فإذا بهم أمام مشهد مروّع : سيارتان قد التحمتا وجهاً لوجه والله أعلم عن حال المعجونين بداخلهما إنما الشيء المؤكّد الذي لا يحتاج إلى دليل فهو خيط مُتصل من الدم يسيل من بين شقوق الحديد على الاسفلت ورجال الإنقاذ الذين قد وصلوا للتو يطوفون حول الكتلة المُلتحمة محاولة منهم لمعرفة من أين يبدأون فك الالتحام وإخراج المُحتجزين، المتجمهرون كبّلهم الفزع عن القيام بأي شيء عدا البحلقة في المشهد الذي تجمّدت تفاصيله، مزيداً من أصوات سيارات الإسعاف قادمة للمكان في الوقت الذي ارتفعت فيه الأرواح إلى السماء ومازال الرجال يحاولون إخراج الجثامين المُلتحمة بالحديد وإشارة المرور المُنتهكة تُضيء بألوانها المعروفة غير عابئة بمن مات أو انتحر وسيضاف (المرحومون) كالعادة إلى أرقام القتلى في إحصاءات المرور لشهر رمضان عام 1429ه.