يتجلى نمط التواصل الاجتماعي في شهر رمضان المبارك إلى إحياء ثقافات اجتماعية وحضارية متعاقبة،مثل الأكلات الشعبية، والأزياء التراثية. غير أن العودة للأواني "الحجرية" المنحوتة من الأحجار، واستخدامها في تجهيز الوجبة الرئيسية في الإفطار، المصنوعة من القمح واللحم، وتسمى "الرقش" والعريك تكاد تكون المشهد الأكثر خصوصية في البيوت الجنوبية والنجرانية . وعلى الرغم من طوفان الإعلانات التجارية للأواني المنزلية، وخطوط الإنتاج التصنيعية التي تتنافس عليها علامات تجارية كبرى، معظمها قادمة من الشرق الآسيوي، إلا أن الأواني الحجرية، حافظت على قيمتها التاريخية والسعرية، التي تتباين بين 50إلى 1000ريال في الأسواق النجرانية والجنوبية وليس غريباص مثل هذا الاهتمام بالأواني الحجرية واستخدامها كميزة رفيعة تقدم فيها للضيوف أهم الأكلات الشعبية التي تميز أهل المنطقة، إذ شكل "الحجر الصابوني" الذي تصنع منه الأواني الحجرية، رمز أطول حضارات متعاقبة على نجران. وفي مدينة الأخدود الأثرية، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، لا تزال هناك آثار لأوان حجرية مختلفة الصنع، كانت من المصادر الجيدة للمؤرخين في تسجيل وجود حضارات مختلفة منها، ويتميز الحجر عن غيره بقابليته للتشكل كيفما يرى الصانع، حيث تعتبر "الرحى" العملاقة، التي كانت تستخدم في طحن الحبوب، هي الشاهد الأبرز على حضارة حجرية تعود لما قبل الميلاد. وهناك عدد كبير من المصنوعات الحجرية منها ما هو مصنوع من "الحجر الصابوني" ومنها ما هو من "المرمر" و"الحجر الجيري"، ومنها أوان للطبخ وحفظ الطعام، وبطرق تصنيع متقدمة تقنيا رغم قدمها، سابقة بذلك عصر "حافظات الطعام" المصنعة حديثا، حتى أن بعض الأواني يحفظ فيها "اللحم" المطبوخ بطريقة طهي معينة مع "الدهن"، تعرف شعبيا ب"الحميسة"، ويظل محافظا على نكهته وطعمه لأشهر طويلة. والنحت في اللغة: القشر والبري وهو حرفة يقوم عليها مجموعة من المهرة في هذا المجال وذلك بنحت الحجارة لتصنع منها الأواني الحجرية النادر وجودها في العالم وقد عرف النحت قديما بالنحت في الحجر لصناعة البيوت قال تعالى:(وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين) وورد ذكر الأواني في القران الكريم في قوله تعالى في سورة سبأ آية 13:(يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات)يقول في تفسير الجلالين تفسيرا لهذه الآية: 13- (يعملون له ما يشاء من محاريب) أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج (وتماثيل) جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته (وجفان) جمع جفنة (كالجواب) جمع جابية وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها (وقدور راسيات) ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال يصعد إليها بالسلالم. وكون الناس اليوم لم يعودوا بتلك القوة التي كان عليها أسلافهم إلا أنهم لا يزالون محافظين على هذه الحرفة القديمة ثم إن الذين كانوا يعملون تلك القدور الراسيات هم من الجن ولعل لهم من القدرة ما ليس للبشر من الإنس وليست صناعة الأواني من الحجر من أي نوع من الحجارة لكنها حجارة معينة رصاصية اللون تستخرج من مناجم خاصة في الجبال وفيها يقوم هؤلاء العمال بالحفر والتنقيب في باطن الأرض للحصول على هذه الحجارة التي تتكون بقدرة الخالق على شكل عروق ممتدة في باطن الأرض فهم يحفرون إلى أعماق تصل إلى 250متراً أحيانا في باطن الأرض مما يعرضهم للخطر ويحدث إثر ذلك حوادث حيث ينهار المنجم أحيانا على من فيه وقد حدث أن انهار أحد المناجم ودفن فيه اثنان من الرجال أما أحدهما فاستطاعوا إخراجه ميتا وأما الآخر فلم يستطيعوا للانهيارات المتلاحقة. والحجارة المستخرجة تمتاز بلونها الرصاصي المميز وكذا ليونتها من جهة وصلابتها من جهة أخرى حتى يستطيع النحات تشكيلها بالطريقة المناسبة وكذا لتكون أكثر احتمالا للحرارة والبرودة فيُطهى الطعام فيها بشكل جيد. والنحاتون يستعملون آلة حديدية خاصة لعمل هذه الأواني وهو عبارة عن قدّوم له رأسان أحدهما حاد يشبه رأس المسمار يضرب به النحات ضربات متتالية خفيفة فيتكون في مكان الضرب مجموعة من الخطوط ويستمر في ذلك حتى يتكون الشكل المطلوب ثم يستعمل المبرد لإعطاء الآنية شكلا جميلا وناعما تسمى (المقالي) مفردها (مقلى). ويصنع النحاتون أشكالا مختلفة من هذه الأواني بل إنهم أصبحوا يتفننون في صناعة بعض الأشكال الجميلة كالسلاسل التي تحتاج إلى مهارة وكذا بعض اللوحات الفنية التذكارية والخطية وطفايات السجائر، ولا شك أن هناك تفاوتاً في المهارة في صنع تلك الأواني من قبل النحاتين حسب الخبرة في ذلك والقدرة الفنية على التشكيل، ويقوم هؤلاء النحاتون بقطع الحجر وصنع الآنية الكبيرة وما يخرج منها تصنع منه آنية اصغر وهكذا حتى يصلوا إلى اصغر قطعة يمكن أن يصنع منها إناء فيستفيدو من كل قطعة حجر وتسمى المجموعة الكاملة المستخرجة (كورجة) والتي تشمل عددا من (المقالي)الكبيرة والصغيرة المتدرجة قد أخبرت بمن صنع قدرا عظيما يتسع للكثير من الذبائح، وقد عرض الكثير من منتجات هؤلاء في بعض المعارض الدولية وقد عرض منها في دولة الإمارات العربية المتحدة بل إن بعض هؤلاء النحاتين يلقى اهتماما من قبل الدولة ورعاية خاصة نظرا لقدرته الفنية والإبداعية في هذا المضمار. ويهتم باقتناء هذه الأواني ليطبخ فيها وهناك آنية تسمى (المدهلة) وهي تساوي قدر الضغط الحديث حيث تطبخ فيها الأشياء التي لا تنضج بسرعة فتنضجها ويقوم من يستخدمها غالبا بوضعها فوق الحطب المشتعل في التنور لفتر ة غير طويلة فينضج الطعام فيها بشكل مميز وسريع خصوصا اللحم، مما يميزها أيضا أنها تحفظ الطعام ساخنا لفترة أطول من الأواني العادية ولا تفقد حرارتها إلا بعد مدة طويلة لذا نجد أكثر المطاعم تقدم الطعام للزبون فيها حتى يظل ساخنا خصوصا عندما تتنوع الأطعمة المقدمة فيبدأ بأكل أنواع معينة من الطعام ويترك البعض الآخر حتى النهاية فيأتي إليها وهي ساخنة لم تفقد طعمها. وتمتاز هذه الأواني بسعرها المرتفع نسبيا مقارنة بالأواني التقليدية نظرا لما يبذل فيها من جهد إضافي إلى أن الحصول على تلك الأحجار يكلف الجهد والمال والمخاطرة لكنها حرفة لا يمكن أن يتخلى عنها أصحابها لأنها مصدر رزق لهم ولأنها حرفة الآباء والأجداد.