تضخم البروستاتا الحميد حالة مرضية شائعة ومنتشرة في جميع أنحاء العالم تصيب عادة الرجال الذين تجاوزوا سن الخمسين بنسبة تتراوح بين حوالي 50% في سن 50الى 60سنة والى حوالي 80% بعد 80سنة من العمر وتترافق مع الأعراض البولية المتفاوتة الشدة بمعدل 26% الى 46%. ومن تلك الأعراض تباطؤ جريان البول وتقطيعه والصعوبة بالتبول فوراً عند الحاجة وتقاطر البول بعد الانتهاء من التبول واللجوء الى الضغط الباطني لإفراغ المثانة وعدم القدرة على تفريغها كاملاً والإلحاح البولي وتكراره نهاراً وليلاً وأحياناً السلس البولي لعدم التمكن من الوصول الى المرحاض بسرعة عند الشعور بالحاجة الى التبول الفوري والتبول المؤلم والمشاكل الجنسية وتخاذل القذف وغيرها من الأعراض المنغصة لجودة حياة الملايين من الرجال المصابين بتلك الحالة المزعجة والتي قد تسبب الاحتباس والسلس البولي والالتهابات البولية أو تقدم الأعراض البولية وزيادة شدتها التي قد تستدعي الجراحة. وبالرغم من آلاف الأبحاث والاختبارات حولها إلا أننا لا نزال وللأسف نجهل أسبابها الكاملة مما زاد نسبة النظريات المتعددة حولها وقد دفع ذلك مركز الصحة والخدمات الطبية في المعهد الوطني للصحة الأمريكية حديثاً رعاية مؤتمر حول تلك الحالة ضم خبراء عالميين في كافة الاختصاصات الطبية لمناقشة كافة مزاياها وإرساء قواعد أساسية للأبحاث والاختبارات الضرورية لاكتشاف اسبابها والوسائل المتقدمة في معالجتها. وقد تطرق هذا الفريق من أشهر الخبراء الى مناقشة مسببات تضخم البروستاتا مع التقدم في السن والتغييرات النسيجية داخلها وآليتها المرضية وسبل تشخيصها ومعالجتها التقليدية والمستقبلية وطرحوا التوجيهات لإجراء المزيد من الأبحاث العلمية لحل ألغازها وللتوصل الى ايضاحات جديدة حول تاريخها الطبيعي وأسبابها الحقيقية وأفضل الوسائل لمعالجتها والوقاية منها. فإلى قراءنا الأعزاء آخر المستجدات حولها كما وردت في هذا المؤتمر الفريد والمهم جداً. تسبب الأعراض البولية حدد هذا الفريق تضخم البروستاتا الحميد نسيجياً بوجود تكاثر عدد الخلايا الظهارية والسدوية في فص البروستاتا المطوق للإحليل الذي يعبرها مع تكون عقد تسبب تضخم البروستاتا التي تعصر الاحليل وتسبب الأعراض البولية المذكورة سابقاً والتي قد تميزها ناهيك انها قد تعود احياناً الى أسباب أخرى كضيق عنق المثانة او الاحليل أو تخاذل وظيفة عضلات المثانة نتيجة مرض عصبي يصيب اعصابها او فرط نشاطها. ومن أبرز النظريات حول آلية تضخم البروستاتا الحميد تأثير التغييرات الهرمونية الذكرية والأنثوية داخلها مع التشديد على دور الهرمون الذكري "الديهيدروتستوستيرون" والخلل الجيني وعوامل النمو والخلايا الجزعية التي تتحكم في تخلق وتكاثر وتمايز الخلايا الظهارية في الغدد البروستاتية وفي سداها ولمعة مجاريها. وعلاوة على تلك العوامل هنالك تبدلات وعائية وعصبية والتي قد تساهم في تنمية الخلايا داخل البروستاتا وتكاثرها مع التقدم في السن ناهيك أن تأثير تلك التغييرات لا تزال مجهولة ويتطلب الأمر أبحاثاً اضافية لكشفها. ومن الأسباب الأخرى لتضخم البروستاتا الحميد التي توضحت معالمها، الالتهاب المزمن والتغييرات الاستقلابية والعصبونية واللحمية المتوسطة والتفاعل بين خلايا الغدد وخلايا السدى الذي قد يلعب دوراً هاماً في تلك الحالات فضلاً عن أن قدرة شرايين البروستاتا في انتاج أوعية جديدة توفر لها التغذية والاوكسجين قد يساهم أيضاً في تضخم تلك الغدة. ومن العوامل الاستقلابية التي اكتشفت في تلك الحالات زيادة معدل السيترات والزنك داخلها التي تنخفض في حال اصابة البروستاتا بالسرطان. وأما بالنسبة الى التهاب البروستاتا المزمن مع حدوث الالتئام النسيجي في سداها فإنه يسبب أيضاً تعبئة الخلايا الجزعية التي قد تحث الخلايا البروستاتية على التكاثر والنمو نتيجة تأثير عوامل النمو التي تشمل المواد المناعية كالاستوكين واللكيموكين في تلك العملية. التغييرات الهرمونية ومن أبرز العوامل الأخرى التي تساهم في تضخم البروستاتا الحميد التغييرات الهرمونية التي تشمل الهرمونات الذكرية الانثوية وهرمون البرولكتين (هرمون الحليب)، كما ذكرناه سابقاً التي تؤثر سوية على تكاثر الخلايا ونموها بواسطة المستقبلات الهرمونية الموجودة بكثرة داخل تلك الغدة والتي قد تحث الخلايا الجزعية على التمايز والتكاثر فضلاً عن أنها قد تسبب الخلل الجيني لتلك المستقبلات وتؤثر على تواجد وشدة الالتهاب البروستاتي الذي يلعب دوراً مهماً في تضخم تلك الغدة وشدة الأعراض البولية واحتمال حدوث احتمال حدوث احتباس بولي وفشل المعالجة الدوائية. وقد كشفت الأبحاث الحديثة عن تأثير الجهاز العصبي الودي في تقلصات عضلات البروستاتا والجهاز العصبي اللاودي في إفراز غددها كما أنه تم العثور في الاختبارات الحيوانية على اعصاب حسية قد تلعب دوراً أساسيا في حدوث التبول والقذف المؤلمين في حالات تضخم البروستاتا الحميد فضلا عن أن تواجد كمية عالية من الفوسفوديستيراز فئة 5داخلها قد يفتح المجال لاستعمال المضادات لهذا الانزيم كالفياغرا او السياليس او ليفيترا في معالجة تلك الحالات. وقد استخلص هذا الفريق من الخبراء أن تضخم البروستاتا الحميد مرض مترقي تزيد أعراضه شدة مع تقدم السن من حوالي 13% من العقد الخامس من العمر الى حوالي 28% بعد سن الثمانين فضلاً أن اصابة احد أعضاء العائلة بهذا المرض يزيد نسبة اصابة الاقارب من الرجال به. من الأسباب الأخرى للإصابة به العرق والموقع الجغرافي والتدخين والصلع الذكري. وقد تبين أيضاً أن حوالي 51% من الرجال المصابين بهذه الحالة يشكون من تأثيره السلبي على نشاطاتهم اليومية وأن حوالي 20% منهم يرغبون بالمعالجة لتحسين اعراضهم البولية والسريرية وتفادي اصابتهم بالاحتباس البولي او ضرورة الخضوع الى عملية جراحية مستقبلياً. وقد شدد الخبراء على ضرورة اكتشاف وسمة في الدم او البول تساعد على التشخيص ووسائل تشخيصية وعلاجية اخرى محددة ودقيقة حسب الأعراض البولية واسباب هذا المرض كما أن ترابط شدة الأعراض السريرية وتقدم المرض وحصول احتباس بولي والمضاعفات الأخرى مع وجود التهاب مزمن داخل البروستاتا عند حوالي 50% من المرضى يشدد أهمية هذا الالتهاب على آلية تضخم البروستاتا المرضية وتفاقم الأعراض البولية مما قد يستدعي علاجاً خاصاً ضد الالتهاب الذي قد يسبب أيضاً سرطان البروستاتا. ومن الضروري أيضاً تطبيق وسائل اشعاعية مبتكرة كالرنين المغناطيسي والأشعة فوق الصوتية بالصبغة وغيرها لتشخيص هذا المرض وتطبيق علاجات مركزة على البروستاتا لحقنها بالكحول او كيها بالترداد اللاسلكي او الموجات فوق الصوتية المكثفة والتخثير القري وغيرها بنجاح. واما بالنسبة الى الحالات الطبية التي تترافق مع تضخم البروستاتا الحميد فإنها تشمل العجز الجنسي وتخاذل القذف وداء السكري وارتفاع الضغط الدموي وزيادة معدل الشحيمات في الدم والسمنة لاسيما انه كما أظهرته عدة اختبارات طبية ان نسبة اصابة الرجل بتضخم البروستاتا تزيد 3أضعاف اذا ما كان يشكو من مرض السكري. فبالخلاصة ان معظم اسباب تضخم البروستاتا الحميد لا تزال مجهولة رغم الأبحاث والاختبارات العالمية المكثفة حولها. واما بالنسبة الى العوامل المعروفة فإنها تشمل تقدم السن والتغيرات الهرمونية والالتهابات المزمنة والخلل الجيني وعوامل النمو والمواد المناعية التي تحتاج الى ابحاث اضافية لتحديد تأثيرها بدقة مما قد يساعد على كشف سبل تشخيصية وعلاجية متقدمة لوضع حد لاعراضها المنغصة ومضاعفاتها والوقاية من الاصابة لها ولمساعدة الملايين من الرجال عالمياً من التخلص من أعراضها ومضاعفاتها التي تؤثر على جودة حياتهم ان شاء الله.