على الجانب الشمالي الشرقي من حديقة الهايد بارك الشهيرة بلندن تكمن بقعة يكتنفها الهدوء طوال أيام الأسبوع عدا يوم الأحد؛ ففي هذا اليوم ابتداء من الصباح لا يمر العابر إلا ويلفت انتباهه صياح المتحدثين وتكدس المتجمهرين، يخيل للمرء للوهلة الأولى أن المكان سوق يمتلئ بأصوات البائعين، ولكن عندما يقترب من مصدر الضجيج سيدرك أن ما يشاهده هو معلم سياحي لا يقوم على آثار تاريخية بل يقوم على حناجر متحدثين أرادوا أن يعبروا عن آرائهم وهمومهم بحرية ويشركوا الآخرين في مناقشتها. في هذا الركن يسمح لأي من كان بالحديث عما يشاء ويحق للمداخل أن يرد بالقول كيفما شاء، وإن تعدى الأمر حدود اللياقة والنظام تتدخل الشرطة لفض المتنازعين. ويربط بعض المؤرخين بين موقع ركن المتحدثين وتاريخه السابق كموقع من مواقع الإعدام المسماة (تايبرن) الذي كان يسمح في ذلك الوقت لمن حكم عليه بالإعدام بالحديث قبل إعدامه. ويحفظ التاريخ شخصيات بارزة مرت بهذا الركن ممن كان لها أثرها في الفكر والفلسفة والسياسة من أمثال كارل ماركس وفيلاديمير لينين وجورج أوريل، كما كان الموقع المفضل لبعض الساسة البريطانيين الذين يريدون استطلاع رأي العامة في موضوع معين بعد طرحه عليهم. وخلال تاريخه الذي امتد لأكثر من 150عاماً أصبح هذا الركن مزارا سياحيا يرتاده كل يوم أحد السياح من كل مكان ولا يتردد السياح في المشاركة في النقاشات وطرح آرائهم حتى ولو كانت لغتهم الإنجليزية ركيكة . وفي الآونة الأخيرة أصبح هذا الركن الممتع مكانا للمشاحنات والنقاشات الحادة وأصبح الصراخ سيد الموقف والمنطق الحلقة الأضعف. ولقرب شارعيء العرب وأكسفورد من هذا المكان فإن العرب وبعض المرتزقة أبوا إلا أن يظهروا مهاراتهم الصوتية ويلفتوا انتباه السياح بالأصوات الرنانة وبالمشادات المتكررة بين المتحدثين والمستمعين، ويتحدث بعض من حضروا إلى الركن عن مشاجرات تفرقها الشرطة أحيانا والحاضرون أحيانا. وأحيانا تجد عربياً يتفق مع أصدقائه ليقف متحدثا باللغة العربية لمجرد إغاظة السياح من أبناء جلدته بانتقاص دولهم ومجتمعاتهم لمجرد المتعة!. ويستغل بعض المتطرفين من الإسلاميين الموقع للترويج لآرائهم وغالبا ما يحضرون في فترة الصيف عندما يكثر السياح العرب.