قدمت باحثة عمانية مقترحات للحكومات الخليجية وذلك لإعداد برامج علمية للنهوض بالوعي السياسي لدى مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تكريس الثقافة السياسية بما تتضمنه من جوانب تشخيصية وتقويمية تساعد على التخطيط وتعديل الاتجاهات والأفكار السياسية وتفعيل عمليات التثقيف السياسي للشباب والشابات. وقالت الباحثة العمانية هنادي بنت عبد الله المسن ان هناك عزوفاً سياسيا لطلاب الجامعات في دول الخليج بسبب افتقار الجامعات في مقرراتها وأنشطتها الثقافة السياسية، لأن هذه الثقافة من أبرز القضايا السياسية التي تهم المجتمعات وتدعم عملية الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وأن التنمية السياسية بالنسبة للشباب ستساعد في تطوير عملية الإصلاح السياسي الشامل الذي تسعى إليه دول الخليج وستحقق أهم عامل في بناء الدولة وهو وحدة النسيج الوطني وسوف تكرس من هذا المفهوم بشكل أوسع، وفيما يلي نص الحوار مع المسن حول الثقافة السياسية لدى شباب دول الخليج ومدى أهميتها وواقعها. @ أنتِ أول باحثة خليجية تناولت التثقيف السياسي لدى طلاب مجلس التعاون الخليجي.. فلماذا قدمت هذا البحث؟ - هذا البحث يبين حقيقة التثقيف السياسي لدى طلاب دول مجلس التعاون الخليجي بغية تحديد رؤية إستراتيجية لوضع هذا التثقيف في إطار يعمق الإحساس بالوحدة الوطنية، وأعتقد أن طلاب الجامعات في مجتمعاتنا شريحة مهمة وفعالة على المستوى ليس السياسي فقط بل الإعلامي والاجتماعي لذا يجب أن يكون لهم دور واع ومسول في عملية التنمية السياسية، ويقدم البحث مقترحاً لصانع القرار لإعداد برنامج للتثقيف السياسي بما يتضمنه من جوانب تشخيصية وعلاجية وتقويمية تساعد على التخطيط لتعديل الاتجاهات والأفكار السياسية من خلال تفعيل عمليات التثقيف السياسي للشباب عدة الوطن وأمله في المستقبل ودعم عملية الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا بد من معرفة أن التنشئة السياسية منهج ضروري لخلق شعور عام لدى المواطنين وخاصة من الشباب ومتمسك بالهوية الثقافية والوحدة الوطنية من خلال الانتماء والولاء والمواطنة الصحيحة. @ ما أهمية الثقافة السياسية لدى شباب دول مجلس التعاون الخليجي، وهل هم بحاجة إلى مثل هذه الثقافة؟ - الثقافة السياسية تعتبر واحدة من أبرز القضايا السياسية التي تهم المجتمعات جميعاً بشكل عام والمجتمعات النامية بشكل خاص ومنها دول مجلس التعاون الخليجي مما يدفع هذه المجتمعات إلى الاهتمام بتنشئة الأفراد سياسياً لضمان ولائهم لبلادهم في المستقبل ولسيادة الشعور بالهوية المشتركة والإحساس بالانتماء إلى نظام سياسي له إقليم محدد، وشباب دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة شديدة إلى مثل هذه الثقافة حيث أن شعورهم بهويتهم هو الذي يميز كل شعب عن الآخر من خلال القيم التي ترتكز عليها العلاقات التي تشجعها بين أبنائها، كما أن التنمية السياسية للشباب ستساعد في تطوير عملية الإصلاح السياسي الشامل الذي تسعى إليه دول الخليج كونهم الفئة الأوسع في المنطقة. @ كيف وجدت واقع الثقافة السياسية لدى الشباب؟ - ضعيفة جدا والسبب هو تدني مستوى العمليات السياسية في المنطقة وعدم وجود آليات واضحة من قبل مؤسسات الشباب لتثقيفهم في الممارسة السياسية ودخولهم فيها، ووجدت من نتائج التحليل الرقمي أن المعلومات السياسية المتوفرة لدى الشباب نسب ضئيلة للغاية في معظمها، وبحسب الدراسة أيضاً فإن أغلب أفكارهم السياسية أخذوها من معلومات خارجية وليست داخلية، وقد أظهرت الدراسة عن طريق نتائجها أن ترتيب أبعاد محور الوعي السياسي الثلاثة تتمثل في معرفة القضايا السياسية ثم المعرفة بالقيادات السياسية ثم معرفة المصادر السياسية، أما محاور المشاركة السياسية الثلاثة فجاء ترتيبها المشاركة داخل الجامعة ثم المشاركة داخل المجتمع يتبعها المشاركة في الأنشطة السياسية، أما فيما يخص القيم السياسية فقد نالت قيمة الشورى الترتيب الأعلى يليها قيمة المواطنة ثم قيمة الانتماء ثم قيمة المساواة وأخيراً قيمة الاحترام. @ هل تعتقدين أن أقسام العلوم والدراسات السياسية في جامعات الخليج تكفي لتكريس هذه الثقافة لدى الشباب؟ - لا تكفي هذه الأقسام لتكريس الثقافة السياسية لدى الشباب وإنما يجب أن يكون هناك تعاون بين الجامعة والمؤسسات السياسية في المجتمع مثل مجلس الشورى ومجلس الأمة ومجلس الدولة لتزويد الشباب بالمعارف والمهارات والاتجاهات السياسية التي تساعدهم على تنمية وعيهم السياسي مما يدفعهم إلى المشاركة الفعلية في المجتمع، وكذلك عقد الندوات الطلابية التي تسلط الضوء على الواقع السياسي والعمليات والمفاهيم السياسية، ومن المهم جدا أن يكون هناك اجتماعات أو ملتقيات بين الشباب والسياسيين في الدولة لكي يطلع الشباب بدورهم على الحياة السياسية وتكون هناك فرصة أخرى للتعرف على الشباب المتمكنين سياسيا وفكريا وصقل مواهبهم وتأهيلهم للمشاركة السياسية في المستقبل، وهذا نوع من صناعة القادة الذي تتبعه بعض الدول مع شبابها. @ بنظركِ ما أهمية هذا النوع من الدراسات التربوية وهل هناك عوائق تواجهه؟ - هذه الدراسات لا تسلط الضوء مثلا على المشاركة السياسية فقط وإنما لها دورها في معرفة واقع المجتمع وميوله ورغباته في مختلف المجالات وتحديد حاجاته وتطلعاته حول المؤسسات المختلفة كمؤسسات التعليم ومؤسسات المجتمع المدني وتستطيع هذه الدراسات من تحديد أدوار الأفراد في تنمية المجتمع، ورسم الخطط الإستراتيجية الهامة لواقع الشباب السياسي مثلا، ومن المعوقات التي تواجه الدراسات السياسية طبيعة المقررات العلمية وما تحتويه من مواد علمية بحتة لا تتيح المعارف الأساسية المتاحة للقسم الأدبي، وعدم تفعيل عمليات التثقيف السياسي داخل جامعات دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضا عدم إتاحة الفرصة الكافية لذلك وتقليص فرص الحوار واللقاءات السياسية بين المسئولين والشباب، وتقليص فرص المشاركة الفعلية للشباب في مجتمعهم داخل الجامعة وخارجها. @ كونكِ شابة وبحثتِ حول الثقافة السياسية، ما رؤيتك لزيادة الوعي السياسي للشباب في دول الخليج؟ - أعتقد أنه بات من الضروري تعريف الشباب بحقوقهم السياسية وكيفية مشاركتهم في العمليات السياسية المختلفة من خلال استخدام الوسائط المختلفة بالمجتمع صحافة، إذاعة، تلفزيون، وأقمار صناعية، ومحاولة استخدام التقنيات الحديثة والمحاضرات واللقاءات والندوات مع الشباب وذلك يتطلب إعداد محتوى جيد وأسلوب عرض مناسب مع الشرائح المختلفة للشباب، وكذلك تثقيفهم وتمكينهم السياسي وإتاحة المجال للمتخصصين في القطاعين الخاص والحكومي لعقد الدورات التدريبية والبرامج التعريفية في مجال التأهيل السياسي مثل دورات فن التعامل والتواصل مع الآخرين والتخطيط والقيادة وإدارة التحالفات والحملات الانتخابية وكيفية الإقناع وطريقة التعامل مع وسائل الإعلام أثناء الممارسة السياسية، كما يجب أن تكون المناهج قادرة على زيادة التوعية السياسية، ولا بد من وجود قوانين تحفظ للشباب مشاركتهم السياسية ووجود تشريعات تضمن هذه المشاركة بالطرق السليمة وبالتالي تعمل على تفعيلها وتطويرها بشكل مستمر. @ ما هو الأكثر تأثيراً على الشباب في مجال الثقافة السياسية، وسائل الإعلام أم مؤسسات المجتمع المدني كالشورى والبرلمانات أم التعليم العام والعالي؟ - لا شك أن وسائل الإعلام تكون الأكثر تأثيراً على الشباب في مجال الثقافة السياسية يليها التعليم ثم مؤسسات المجتمع المدني، ويكون الترتيب في الأولوية حسب أيهما أكثر اتصالاً والأكثر استغلالاً من جانب الشباب، ولمنظمات المجتمع المدني دور كبير في تهيئة وتنشيط المشاركة السياسية عبر تنفيذ البرامج والأنشطة التوعوية لمفاهيم التنمية والثقافة السياسية والديمقراطية بين صفوف الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي، ووسائل الإعلام من أبرز مكونات الوعي السياسي للشباب اليوم، والذي يعتمد إلى حد كبير على وسائل الإعلام الرسمية في تكوين وعيه السياسي. @ هل كان للحراك السياسي في دول الخليج خلال السنوات الماضية دور في تثقيف الشباب في المجال السياسي وتفعيل مشاركتهم؟ - نعم ظهر ذلك في الخطاب السياسي الذي أكد في معظم دول الخليج على أهمية تعميق فكرة المواطنة لبناء النهضة والتنمية التي ارتكزت على تحفيز الشباب على الانخراط في كافة مؤسسات الدولة تبعاً للنظام الأساسي للدولة الذي يكفل لكل المواطنين ذلك الحق بدون تمييز، أما تفعيل مشاركتهم السياسية فكانت بقدر ما عقد من أنشطة سياسية، وأرى أن تفعيل مشاركة الشباب في العملية السياسية هدف تسعى لتحقيقه العديد من دول العالم وهو مسؤولية وطنية مشتركة للأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية، لأن استثمار العناصر الشابة وتوجيهها التوجيه السليم تصب في المصلحة الوطنية وتضمن إحداث التغيير والتطوير في مسيرة التنمية الوطنية الشاملة من خلال مبدأ تعميم الشراكة التنموية الوطنية، ومؤسسات الدولة على تنوعها أهلية وحكومية ومدنية مطالبة بالعمل مع بعضها البعض وفق رؤية منهجية مؤسسية منظمة ورؤى وأطروحات علمية وعملية بعيدة المدى. @ هل كان لشبكة الإنترنت والفضائيات دور واضح في نشر الوعي السياسي لدى الشباب، وكيف يمكن استثمار هذه الوسائل؟ - لا شك أن وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت والقنوات الفضائية تلعب دوراً واضحاً في نشر الوعي السياسي لدى الشباب حيث أنها الأكثر انتشاراً والأكثر تأثيراً على الشباب، ويمكن استثمار هذه الوسائل بضرورة التنبيه على المسئولين عنها بإعداد محتوى جديد وأسلوب عرض يتناسب مع متطلبات بقاء المجتمع وتقدمه واستمراره، وبشكل عام يساهم الإعلام بوسائله كافة في تعزيز الوعي السياسي والاجتماعي وتدعيم القيم والمشاركة السياسية وتوعية المواطنين بما يدور حولهم من أحداث ومواقف وردود أفعال سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهذا النوع من الوعي سوف يساعد في إحداث تغيير جذري في حياة المجتمع خاصة عندما يكون الإعلام منظما ووفق سياسة إعلامية تخدم المجتمع. @ ما هي الدولة الخليجية التي يتمتع الشباب فيها بأكبر قدر من الوعي السياسي، ولماذا؟ - في رأيي الشخصي أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة والدول محل الدراسة (عمان وقطر والكويت) بصفة خاصة تحت قيادة زعمائها يتمتع شبابها بالوعي السياسي مع تفاوت النسبة وهذا ما أوضحته النتائج الرقمية بدراستي للحصول على درجة الماجستير، وحيث أن تقارب الواقع الاجتماعي والاقتصادي لدول الخليج ساهم في تشكيله عوامل تاريخية وجغرافية وإستراتيجية واستطاع تجنب الطفرات السياسية من خلال تطور آليات ووسائل مشاركة الشباب في العمل العام والعمل السياسي وتتضح تلك الثقافة السياسية من خلال السياسة العامة لدول الخليج وتعميق فكرة المواطنة، وكمثال على ذلك الكويت من حيث تدعيمها مناهج الدراسة الجامعية لمقرر عن النظام السياسي للدولة. @ هل سلطت دراستكِ الضوء على العزوف السياسي عند الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي؟ وما هي أسبابه؟ - نعم كان هناك محور رئيسي بالدراسة حول العزوف السياسي لطلاب الجامعات وهو ما أسميناه بالمشاركة السياسية داخل وخارج الجامعة، أما بالنسبة لأسباب هذا العزوف حسب وجهت نظري فانه يعود لافتقار الجامعات في مقرراتها وأنشطتها إلى ما يدفع الشباب لخوض مثل هذه الأفكار السياسية السليمة في حدود المعرفة بما يتناسب مع مستوياتهم العمرية والفكرية، أما بالنسبة لخارج الجامعة فنجد الشباب لديه الوعي السياسي وإن كان ليس بالصورة المطلوبة ولكنه أفضل من المشاركة السياسية وهذا ما عدت به من نتائج التحليل الميداني للدراسة، علما بأنني أرغب بالتنويه على أن جامعة الكويت يتسم وضع المشاركة السياسية فيها بظهوره واضحا عن مثيلاتها في الجامعات الخليجية محل الدراسة ويتمثل بصورته المصغرة بالانتخابات الطلابية التي تقوم بالجامعة وهذا يعطي الطالب شيئا من المعرفة بما تعني المشاركة السياسية بصورتها السليمة والتي يجب أن نقوم بتغذية أبنائنا الطلاب بها أمام ما نواجهه الآن، وأعتقد أنه وعلى المستوى التربوي أو المستوى الاستراتيجي ستساعد الثقافة أو المشاركة السياسية في تحقيق أهم عامل في بناء الدولة وهو وحدة النسيج الوطني وسوف تكرس من هذا المفهوم بشكل أوسع.