بعد صلاة العشاء بنحو نصف ساعة، رن هاتف محمد حاملاً اتصالاً من زميله في الجامعة، يسأله فيه عن مدى قدرته على مرافقته إلى صالة السينما الواقعة شمال العاصمة الرياض، ليشاركه حضور العرض الأول لفيلم أجنبي جديد. طلب محمد من زميله عبدالله أن يحول الوجهة إلى صالة السينما القريبة من منزله شرقي المدينة، لشعوره بخمول لم يفارقه منذ الصباح، على أن يتركا فرصة مشاهدة الفيلم الجديد ليوم آخر، خصوصاً أنه (محمد) يرغب بمشاهدة الفيلم العربي الكوميدي، والذي يعرض منذ شهرين، للمرة الثانية، ليرفه عن نفسه قليلاً، قبل يوم من بدء العام الدراسي 2014/2013م. همّ محمد بالخروج، ليلتقي بوالده عند باب المنزل الداخلي، فسأل الوالد الولد سؤالاً روتينياً عن وجهته، لتأتي إجابة محمد على عجالة، بأن زميله عبدالله سيصحبه إلى سينما المول الكبير الواقع في أول حيهم السكني. استوقف أبومحمد ابنه، طارحاً عليه سؤالاً آخر يكرره عليه بين فترة وأخرى، عن صالة السينما، فالوالد متردد في زيارتها منذ افتتاحها قبل 4أشهر، رغم إلحاح زوجته وابنتيه بالتعرف على الضيف الجديد. إجابة محمد لم تتغير عنها في كل مرة سأله فيها والده السؤال ذاته: "يا بوي والله حلوة وتغيير جو، وزيها زي أفلام الفيديو اللي نشغلها بالبيت". هز أبو محمد رأسه بإيماءات لا يفهم منها إلا الحيرة والتردد، فيما محمد يحدث نفسه: "أنا لازم أودي الشايب للسينما عشان يشوف بعينه ويرتاح". أفصح محمد عن حديثه الداخلي مخاطباً والده: "يبه.. أنت ليش رافض تروح لها، روح وشوف بعينك، العالم كلها تتفرج ومحترمه نفسها". كلمات محمد البسيطة حركت الذكريات الراكدة في ماضي أبومحمد، ليرد: "تدري يا ولدي.. قبل 50سنة كنا نتجمع أنا والشباب ونروح لساحات مكشوفة قريبة من بيوتنا، عشان نشوف أفلام كان يجيبها العمدة أبوزكي من ديرته، وجلسنا فترة على هالحال، مرات نقدر نكمل الفيلم ومرات يجون ننحاش!!، لين اختفت هالساحات، ومن وقتها والناس تنقد وأنا أبوك على اللي يجيب طاريها، عشان كذا ما أبي أروح أنا وأمك وخواتك الصغار، أخاف يعرفنا أحد هناك وينقد علينا، وإذا سافرنا.....". أبواق سيارة عبدالله تتعالى قاطعة الحديث، ليسكت الوالد، وينطق محمد: "أبوي.. نكمل كلامنا إذا رجعت.. بروح مع أبوعابد الحين، للساحة حقتنا على قولتك، ولا تشيل هم ما حنا منحاشين زيكم... يلا سلاااام".