مدينة (كازا بلانكا) وهي تعني (الدارة البيضاء)، وقد كانت فيما مضى مزارع محاطة ببيت (دارة) لونه أبيض (بلانكا) حتى جاء الجنرال (لوتر) وبنى الميناء التجاري الكبير هناك لتكون (الدارة البيضاء) عاصمة المال والأعمال في المغرب. هذه أول مرة أذهب فيها إلى المغرب وذلك للقاء رجل أعمال فرنسي من أصل مغربي أدير محفظته المالية في البورصة الأوروبية، ووصلت مساء الخميس، وتناولنا العشاء معاً. وفي يوم الجمعة ذهبت للصلاة في مسجد الملك الحسن الثاني الذي يُشكل مزيجاً من أبهة المسجد الحرام وتناغم ألوان المسجد النبوي، وتبدو ألوان المسجد وكأنها حديقة من اللون الأخضر لسقف مصلى النساء المعلق والأعمدة الضخمة البنية حيث تتجانس الألوان لتتحول بهدوء من لون إلى آخر، وأشكال النقوش والمكعبات والمربعات هي تمازج التضاد الجميل، والمصلون يدخلون ويلفون أحذيتهم بأكياس من البلاستيك، وحراس المسجد يلبسون الزي المغربي الأخضر ولا يسمحون ببقاء المصلين بعد الصلاة طويلاً؛ وبعد الصلاة سمعت صوت امرأة فرنسية يخرج من المسجد مثل الآذان وهي تنطق شهادة التوحيد وتعلن إسلامها وتلحقها (زغاريد النساء). ومن المسجد إلى ساحة (حبوس) حيث يوجد الحرفيون، صناع الأواني النحاسية والخشبية، مثل الصندوق السحري وهو الخزينة التي يخبأ مفتاحها في أحد أجزاء الصندوق، وثغرة فتح الصندوق مخبأة في مكان آخر، أما القفل الموجود في الصندوق فهو وهمي!وهناك أيضاً الملابس المغربية مثل (البالوش) وهو حذاء المغاربة، و(القفطان) وهو لبس النساء هناك. وخلف السوق يوجد ضريح (سيدي التيجاني) وتجد الناس يتبركون بقبره وهو محاط بمسجد صغير يرتلون حوله التهاليل، وقادة هذه الخزعبلات أربعة رجال أشكالهم تبدو وكأنهم مختارون من المتاحف.. الذقون طويلة وبيضاء ويلبسون العمائم البيضاء الكبيرة والنظارة السوداء الداكنة وكأنهم جزء من الضريح. ومن (حبوس) إلى قلعة (لاسقاله) التي بناها البرتغاليون ولا تزال مدافع القلعة هناك، وتوجد أيضاً الفرق الراقصة بالطبول، والقردة التي تتعلق على الأكتاف، والثعابين الراقصة مثل ما هي موجودة في الهند؛ وهناك يحلو شرب الشاي على ذلك المنظر الرومانسي المرتفع حيث مبنى البريد القديم المنقوش بالذهب على الفسيفساء، ومبنى (الولاية) الشبيه بالمسجد، والشاي هناك له طريقة خاصة حيث لا يحركونه بالملعقة، ولكن يسكب الشاي على الكأس، ثم تكرر الحركة مرتين، وبعدها يصب الشاي بارتفاع عال (مثل العراقيين) ويسمى (شاي بالرزة) ورزة تعني رغوة الشاي، وتعني أيضاً العمامة باللهجة المغربية. ويوجد بالدارة البيضاء أحياء حديثة، وفخمة أيضاً مثل حي (انفه) الذي هو حي الأثرياء وهو مستوحى من العمارة الأندلسية، وبالدار البيضاء شوارع فخمة وكبيرة، مختلفة بالمطاعم والمقاهي الأوروبية مثل شارع (المسيرة) وشارع انفه (غير حارة انفه) المزينات بمقاعد رخامية للمشاة قد لا تجدها في بعض مدن الخليج الكبرى. ويوجد في كل شارع حارس مسؤول عن كل سيارة وعن حمايتها وله أجر رسمي محدد (لا يوجد مجال للتلاعب) حيث لا تخشى أن تسرق السيارة كما يحدث للأسف في بعض الدول الأخرى، أما سيارات الأجرة (التاكسي) فهي تسير حسب العداد بعكس سيارات الأجرة في مصر ولبنان التي تضطر للاتفاق مع السائق قبل المشوار. توجد شريحة في المغرب تتحدث الفرنسية والاسبانية أفضل من اللغة العربية، وغالبية الشعب تتحدث الفرنسية بشكل (يمشي الحال) لكن الترجمة العربية في بعض الأحيان كارثة، وقد لا تفهمها مثل كلمة مكان الميلاد يترجمونها (مكان الإزدياد)، ومعصرة الفواكه تكتب (محلبة فواكه) وهناك إصرار على كتابة حرف (الطاء) بدل (التاء) ففي الترجمة تجد كلمة (طاكسي) بدل (تاكسي) أو محطة وقود (طوطال) بدل (توتال).. وتوجد كلمات مغربية قريبة من عاميتنا مثل (زوينة) يعني زينة، ويهذر بمعنى يحكي، وكلمات أخرى أصولها فرنسية مثل (شوماج) وتعني عاطل عن العمل، أو أصلها اسباني مثل (سكويلا) وتعني مدرسة، وكلمات أخرى ربما يكون أصلها مصريا ولكن اختلف معناها مثل كلمة (زنقة) التي تعني الشارع المختنق، وشطح بمعنى قرص. والفقير المغربي يكون فقيراً بالمال والمعرفة ولكنه طيب القلب، وحدث أن نسيت هاتفي المحمول في إحدى سيارات الأجرة، فكررت الاتصال عليه فأجاب السائق وأعاده لي. أما الثري المغربي فهو غني بكل شيء، بالمال والمعرفة والأناقة. وفي ما يخص منازل المغاربة، فنجد البيت والحديقة عبارة عن مدرسة ألوان، وإذا تحدث الثري المغربي عن الأناقة فكأنه مصمم أزياء، ومن الذكر كأنه فيلسوف وهو في الأصل تاجر أسمنت. والجميع هناك يحب السعودية والسعوديين إلا ابنة رجل الأعمال المغربي (الذي ذهبت إليه)، وهي تدرس في اسبانيا، لكنها تكره المرأة السعودية "كره الويل"، وتشتم في ذكائها وأناقتها.. ولكن هذا يظل في النهاية وجهة نظر، ورأياً شخصياً، ولكن هذا عكس رأيها في الرجل السعودي. @ محلل مالي في بروكسل