@@ إذا نظرنا إلى نظام مؤسسة النقد العربي السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (23) وتاريخ 1377/5/23ه فسنجد أن الفقرة (ج) من المادة (الأولى) نصت على أن من أغراض المؤسسة (مراقبة المصارف التجارية)، وهو الأمر الذي أكدته أيضا الفقرة (د) من المادة (الثالثة)، غير أن هذا النص يجد عكسه تماما في الممارسات التي تقوم بها البنوك ضد عملائها بالمخالفة لقواعد التعرفه البنكية التي وضعتها مؤسسة النقد وسط صمت المؤسسة تجاه ذلك، واستيفاء البنوك من عملائها مبالغ تخالف الحدود الموجودة في قواعد التعرفة تلك، هذا غير الرسوم الباهظة التي تستوفيها البنوك على بعض الخدمات التي لم ترد في اللائحة، ومن ذلك الرسوم السنوية لبطاقات الائتمان والتي تتراوح بين (400-500) ريال لمجرد كون الشخص يحمل البطاقة، وهو أمر لا تجده حتى في قلاع الرأسمالية مثل بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية التي لا تفرض رسوم اشتراك سنوية بل تكتفي بالعائد الذي يعود عليها من التعاملات التي تتم بواسطة الشركة مصدرة البطاقة. @@ قصة مؤسسة النقد مع هروب كفاءاتها إلى القطاع الخاص قصة تستحق أن تروى، خاصة أن المؤسسة تعد البنوك التي تستقطب موظفيها بمعاملة غير لائقة، فالمؤسسة تريد من موظفيها أداء ومستوى انجاز يقترب من مستويات أداء القطاع الخاص وبالذات مستوى أداء موظفي البنوك التجارية، غير أنها لا تريد أن تدفع لموظفيها إلا رواتب مشابهة لرواتب سلم الخدمة المدنية، مضافا إليها بعض المزايا التي لا تسمن ولا تغني، مثل مكافأة (3) أشهر في السنة وبدل علاج طبي وخارج دوام نسبته لا تتجاوز (25%) من الراتب، ولاحظوا هنا أننا نتناول بنكا مركزيا يفترض وجود أفضل الكفاءات به وليس إدارة حكومية هامشية، هذا على الرغم من أن المؤسسة بموجب نظامها تمتعت بحرية كبيرة في تصميم هيكل رواتب موظفيها بحيث (يفترض) أن يلاحق تطورات سوق العمل في البنوك التجارية، فالمادة (العاشرة) التي نصت على أن يكون تعيين موظفي المؤسسة (غير المحافظ ونائب المحافظ) وترقيتهم وفصلهم بواسطة المحافظ طبقاً للائحة يقرها مجلس الإدارة، تضمنت نصا صريحا بأن للمحافظ أن يحدد راتب هؤلاء الموظفين والمستخدمين وأجورهم ومدد وشروط خدماتهم وواجباتهم ومسئولياتهم بما لا يتعارض مع تلك اللائحة، غير أن المؤسسة ببيروقراطيتها العتيدة تعاملت مع موظفيها بنظرية (أذن من طين وأذن من عجين) والتي تتعامل بها المؤسسة عادة مع قضايا القطاع المصرفي، فكان أن دفعت المؤسسة الثمن في هجرة ابرز كفاءاتها إلى القطاع الخاص، وبالتالي لا بد لذلك أن يترك انعكاساته على عمل المؤسسة وبالذات في قطاع مراقبة البنوك. @@ كلمة (قريبا) هي الكلمة المحببة لمسئولي مؤسسة النقد، وهم في ذلك يعتقدون أن الوسط المحلي المتابع لأداء المؤسسة سريع النسيان وليس لديه القدرة على التحليل والاستنباط، وقصة البنك الأهلي تثبت ذلك إذا تركنا جانبا قصة بنك البلاد الذي احتاج إلى (51) عاما لكي يحصل على تصريح من المؤسسة، فعلى الرغم من ضخامة البنك الأهلي التجاري إلا أنه يظل البنك المحلي (الوحيد) الذي لم يطرح جزءا من أسهمه للاكتتاب في طرح أولي عام، ومنذ تحول شكله القانوني من (شركة تضامن) إلى (شركة مساهمة مقفلة) عام 1997م (وذلك كخطوة أولية لطرح أسهمه للاكتتاب العام كما سربت المؤسسة لوسائل الإعلام آنذاك)، إلا أن التطورات التي طرأت بعد ذلك أوضحت بشكل مؤكد أن أسهم البنك لن تطرح أبدا للاكتتاب العام، ففي عام 1999م دخل صندوق الاستثمارات العامة مساهماً في الملكية بنسبة بلغت (69%) تقريبا، في حين بلغت حصة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية (10%)، في حين احتفظ (24) مساهماً بالحصة المتبقية من أسهم البنك وهي حوالي (21%). @@ أقول أخيرا إن الحكومة عبر الهيئة العامة للاستثمار وضعت لها هدفا بان يكون الاقتصاد السعودي عام 2010م في مصاف اقتصاديات العالم (العشرة الأولى) الأكثر جاذبية للاستثمار، وهو هدف نبيل يفترض بكل جهة حكومية وخاصة السعي إلى تحقيقه، والقطاع المصرفي هو لب التغيير والتطوير والإصلاح لأي اقتصاد، وإذا كانت مؤسسة النقد غارقة الآن في محاولة معالجة السيولة العالية وبالتالي تخفيض معدلات التضخم، وإذا كانت المؤسسة لا تريد التصريح لبنوك جديدة، وإذا كانت كفاءات المؤسسة تهرب بعيدا عن بيروقراطيتها التقليدية المعهودة ورواتبها المنخفضة عن معدلات السوق، وإذا كانت إدارة قطاع التأمين تمثل مشكلة المشاكل الحالية للمؤسسة، فإن لا احد يدري كيف ستقوم المؤسسة بخدمة هدف الجاذبية الاستثمارية، وهل ستساهم به، وما هي خططها في هذا المجال، وأتمنى صادقا ألا تعامل المؤسسة هذا الموضوع بنظريتها المعروفة: (أذن من طين وأذن من عجين).