أحدث القرار بإيقاف تصدير مواد البناء المتمثلة في الأسمنت والبلك والحديد موجة ارتياح وفرحة عارمة سادت أوساط المواطنين والمقاولين على حدٍ سواء، وبرر الجميع هذا الشعور الذي انتابهم إلى الآثار الايجابية المتوقع أن يحدثها مثل هذا القرار على توفير هذه المواد في السوق المحلية ومن ثم المساهمة في انخفاض أسعارها بشكل ملحوظ. كما يأتي القرار في وقت تضرر فيه كثير من تصدير الحديد أو خردة الحديد، بل أدى إلى توقف كثير من المشاريع، خاصة أن التصدير من الحديد كان للدول الخليجية، خاصة هذه الخطوة تأتي بداية لانفراج أزمة كبيرة شهدتها السوق السعودية في مادة الحديد، التي تعد عصب الأعمال الإنشائية. وبهذه المناسبة رفع عدد كبير من المواطنين ومقاولي الإنشاءات شكرهم وامتنانهم لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإلى سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز يحفظه الله على وقفتهم مع المواطنين الذين تعودا منهم يحفظهم الله مثل هذه الوقفات الأبوية الكريمة والحانية مع مواطنيهم الذين تضرروا كثيراً جراء ارتفاع أسعار مواد البناء، كما رفع المواطنون شكرهم لوزير التجارة عبدالله زينل على قراره الصائب مناشدين معاليه المضي في مثل هذا القرار لآثاره الهامة على مصلحة المواطن والوطن. وأكد مواطنون التقت "الرياض" خلال جولة قامت بها أن الوقفة الكريمة من الدولة رعاها الله ستسهم بعد الله في التيسير على المواطنين وتدفع بعجلة حركة البناء والتشييد التي من شأنها أن تلقي بآثار ايجابية على مستقبل المواطن السعودي الذي أدت الارتفاعات الجنونية في أسعار مواد البناء إلى إصابة الجميع بحالة من الكآبة والحزن على مستقبله. وأكد متابعون للشأن العقاري مثل هذا القرار أن يسهم في توفير مواد البناء مما سينعكس إيجاباً في عودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل موجة الارتفاعات التي افتعلها بعض أصحاب المصانع المحلية والموزعين عبر تصدير كميات ضخمة من تلك المواد الى الدول المجاورة دون النظر إلى الأثر الذي قد تحدثه خطواتهم تلك على السوق المحلية مما أحدث ارتفاعات كبيرة وغير مبررة. "الرياض" التقت مع عدد من المواطنين الذين في الوقت الذي أبدوا فيه سعادتهم بقرار إيقاف التصدير فإنهم أبانوا غضبهم الشديد للتلاعب الذي كان يحكم سوق مواد البناء، فقد أبدى عادل الحليمي امتعاضه الشديد من تعامل مصانع مواد البناء مع المواطنين وعدم اكتراثهم مع معاناة الناس طيلة الفترة الماضية، وقال بأنه عانى ولمدة تزيد على العام ونصف العام أشد المعاناة من البحث عن الاسمنت مما اضطره ولأكثر من مرة للتوقف عن إجراء الصيانة لمنزله لعدم توفر الاسمنت، كما اضطر وللسبب ذاته على شراء الاسمنت بسعر 22ريالاً في السوق السوداء، وقارن أحمد الفهيد بين سعر البلك قبل وبعد فتح التصدير حيث أوضح أن شحنة البلك المكون من 1000بلكه كانت قبل التصدير بسعر 1150ريال، أما الآن فقد ارتفعت الشحنة إلى 1850ريال أي بارتفاع يصل إلى 85%؟! عبدالله شرار الخليفة "معلم" التقيناه وهو يقف بجوار منزله الذي بدأ في إنشاؤه مؤخراً، وحين سألناه عن سبب توقف العمل في منزله أشار إلى أنه لم يحصل على حديد منذ شهر ونصف، وأكد أنها ليست المرة الأولى التي يوقف العمل بسبب عدم الحصول على الحديد، وشكا عبدالله من التكلفة الباهظة التي سيتحملها من بناء مسكنه ولفت عبدالله النظر إلى أن ارتفاع الأسمنت نتج عنه ارتفاع الخرسانة وكذلك البلك معللاً ذلك الى فتح التصدير هكذا بلا رقابة وبفوضوية ! من جانبه قال عبدالكريم صالح "معلم" أنه لم يعد بمقدور أحد بناء مسكن في الوقت الحالي ومع أسعار مواد البناء هذه دون أن يلجأ إلى الاقتراض من البنوك واصفاً تلك القروض بالأمر الذي يثقل كاهل المواطن ويزيد من معاناته ويجعل رقبته في يد البنوك لسنوات طويلة. عبدالهادي العبدالله شبَّه بلوغ الحديد للأسعار الحالية بالرصاصة التي أطلقت على صدور الجميع سيما الشباب الذين كانوا يجمعون "القرش والريال" لبناء مسكن العمر، وتساءل: كيف لموظف بسيط مثلي مرتبه 4200ريال ويسكن في شقة بالإيجار أن يستطيع بناء مسكن؟ ولفت العبدالله النظر إلى أن أمثاله الآلاف قتلهم الوضع الحالي وبات أمر الحصول على مسكن يشكل أزمة نفسية حقيقة لا بد من النظر إليها كمشكلة خطرة تحتاج إلى وقفة مشتركة بين جميع القطاعات الحكومية وعلى أعلى المستويات، وتمنى أن يرى قريباً انخفاضاً ملموساً في أسعار الحديد داعياً شركة سابك ووزارة التجارة إلى العمل سوياً لما فيه مصلحة المواطن. طه محمد وشقيقه علي شكيا من أن ارتفاع أسعار الحديد بشكل لا يصدق ألقى بظلاله القاتمة على أسعار الشقق وأدى إلى ارتفاعها، وأكد طه "موظف حكومي"، وعلي "الذي يعمل في قطاع عسكري" أنهما لا يزالان يسكنان في شقق بالإيجار رغم خدمتهما التي امتدت لأكثر من 17عاماً إلا أنهما لم يستطيعا بعد مرور كل هذه السنوات من بناء مسكن يؤويهما وأبنائهم، وأضافا أنه ومع ارتفاع أسعار الأراضي، والارتفاع القاتل لمواد البناء فإنه طموحهما في بناء مسكن قد تبدد تماماً، وقال حسين أحمد: لقد سررت كغيري من المواطنين بوقف تصدير مواد البناء على أمل أن تكون هذه الخطوة تتبعها خطوات أخرى تسهم في مساعدة المواطنين لمواجهة هذه الموجة التي لا يستطيع أحد تحملها من الغلاء إلا بمساعدة الدولة رعاها الله. من جانبه قال فايز الفايز "مقاول" أنه تكبد وخلال عام خسائر كبيرة جراء عدم توفر الأسمنت بكميات كافية ومن ثم عدم توفر الخرسانة مما اضطره في مرات عديدة للانتظار لفترة قد تصل إلى ثلاثة أسابيع، ما يعني توقف أعماله في انتظار صب السقف أو القواعد في منزل، وهذا يترتب عليه حجز الخشب لفترة طويلة دون فائدة، وعدم إمكانية استخدامه في موقع آخر، وأبدى فايز استغرابه من عدم توفر البلك. ويشير سعيد السماعيل "مقاول" أنه اضطر للتوقف عن تنفيذ العديد من المساكن مرجعاً سبب ذلك إما لعدم مقدرة صاحب المنزل توفير مواد البناء من حديد وإسمنت، أو لعدم توفر تلك المواد في الأصل، كما هو كمقاول اضطر لفسخ العقد مع بعض أرباب المنازل بعد تضاعف أسعار الحديد في فترة زمنية قصيرة، وشكا السماعيل من خسائر كبيرة تكبدها جراء وقف تنفيذ الكثير من المساكن التي التزم بها بعقود. وحذر جل المقاولين الذين التقيناهم من خطورة استمرار الوضع الحالي من ارتفاع أسعار الحديد وبقية مواد البناء على مستقبل التنمية العمرانية في المملكة بوجه عام، مشيرين إلى أن بلادنا تشهد خلال السنوات القليلة الماضية طفرة عمرانية غير مسبوقة، حيث تنفذ فيها مئات الآلاف من المشاريع العملاقة والضخمة ناهيك عن تشييد المواطنين لآلاف المساكن لهم، ودعوا إلى تحرك عاجل ومشترك من كافة المسؤولين يعيد (وعلى وجه الخصوص) أسعار الحديد، سواء أتم ذلك بدعم حكومي للحديد أو بإيجاد دول أخرى تستورد منها سابك المواد الخام أو بالاثنين معاً ليكون الانخفاض ملموساً وسريعاً يحد من الكارثة التي حلت بالناس. تجدر الإشارة إلى أن سوق مواد البناء عانت وطيلة الثلاثة أعوام الماضية من نقص حاد في توفر مواد البناء، بسبب فتح الأبواب لتصدير الحديد والبلك والاسمنت وغيرها (دون تقنين) إلى دول الجوار مما خلق أزمة حقيقية جراء تفضيل أصحاب المصانع للتصدير على توفيره للمواطن وذلك يعود إلى أن بعض دول الجوار كانت تشتري تلك المواد من المصنع بسعر أعلى مع تحمل تلك الدول لقيمة نقل تلك المواد مما شجع المصانع على تصدير كل ما لديها إلى الخارج تاركين السوق المحلية (ففي ظل غياب كلي لوزارة التجارة) تئن من عدم توفر تلك المواد مما ضاعف من المشكلة.