في إحدى الليالي الربيعية الجميلة.. والتي لا تتكرر كثيرا على مدار العام في مدينة تقع في كبد الصحراء العربية كالرياض العاصمة الباهية والمتألقة في كل شيء إلا في حرارتها اللاهبة صيفا.. وبرودتها القارسة في عز شتائها.. كنت في تلك الليلة بصحبة عائلتي إلى أحد المتنزهات العاصمية.. ومنذ دخولنا عبر بوابته الرئيسية ونحن نشعر بالارتياح.. وكافة العائلات يقضون أوقاتهم مستمتعين بكل ما يدور حولهم حيث الهدوء يلف المكان.. والفعاليات المتنوعة تجري في كل أرجاء المتنزه.. والانضباطية من الجميع تكاد تكون السمة البارزة. عند الساعة الثانية عشرة ليلا قررنا المغادرة بعد أن قضينا وقتا ممتعا.. وكانت العائلات التي آثرت مغادرة المكان باكراً تخرج مع البوابات بانسيابية ولم يكن ثمة ما يعكر الصفو.. ولا يقلب أجواء الهدوء إلى صخب.. لولا ذلك الصوت الخشن الصادر من ذلك الرجل ذي التقاسيم العابسة.. والوجه الصارم.. والجسم المترهل.. والذي كان يصحب فيما يبدو عائلته التي ربما كانت مكونة من الزوجة والبنت الكبرى والأبناء والبنات الصغار.. هكذا توقعت.. أو وجدت أن هذا الاحتمال هو الأقرب إلى الصواب. عائلة ذاك الرجل الغليظ يبدو أنها كانت غير راضية البتة على قرار المغادرة فلربما كان أفرادها يطمحون بسويعات إضافية قليلة .. خاصة وأنهم قد يسوقون مبررات مقنعة ليس أقلها أنها أيام إجازة وليال ممتعة قد لا تتكرر.. يبد أن رب الأسرة والذي كان يسوق أفرادها أمامه كالقطيع كان مشغولا بمشادة كلامية ساخنة مع البنت الكبرى والتي على ما يبدو كانت الأكثر امتعاضا من قرار المغادرة المبكرة. وكانت تقوم بمحاولات يائسة لثني الأب عن قراره.. لكنها إزاء موقفها تلقت سيلا من الكلمات البذيئة والجارحة من لدن والدها مع الزجر.. ومحاولة الضرب أمام الملأ.. حدث هذا وسط استياء من الجميع.. واستهجانهم.. واستغرابهم مما يجري. هذا الموقف نقل لي صورة مختصرة جسدت ما تعانيه بعض الأسر من تحكم وتسلط رب الأسرة والرجل الأول فيها.. ولجوء البعض منهم للقمع وإسكات كل الأصوات المعارضة.. وفرض الرأي عليهم بالقوة. وإذا سمح هذا الأب للعائلة بالخروج فلا بد أن يختم البرنامج الترفيهي بما لا يسر.. وقد يلجأ البعض للتضييق على الأسرة.. ونهر هذا وزجر ذاك.. والبعض الآخر ومنذ خروجه من المنزل وهو يعيش حالة شديدة من التوتر.. وقد يعود بالأسرة قبل أن يقطع نصف الطريق وإذا أكمل المشوار نكد على الأسرة حتى يزهدها بمثل هذا الخروج. كثير من ربات البيوت ولقاء ما يواجهنه من مثل تلك النوعية من الأزواج بتن أكثر زهداً ببرامج ترفيهية ينظمها هذا الأب.. بل إن بعضهن قد يفضلن البقاء في المنزل لشهور طويلة والتضحية بما يسمى تجاوزا ((بالترفيه)) مع تلك العينة من الآباء درءاً للمشاكل المتوقع حدوثها من الأب المهيأ للانفجار في أية لحظة.. ولأنهن يدركن سلفا أن كل المصائب ستقع على رؤوسهن، وأن سعادة الأب لن يتورع في كيل كل الاتهامات للأم المغلوبة على أمرها وأنها السبب في كل ماحدث. رفقا أيها الرجل .. ومهلا أيها الآباء الكرام فلأسركم عليكم حقوق كثيرة.