صدر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في العاصمة الإماراتيةأبوظبي مؤخراً كتاب اقتصادي سياسي تحت عنوان "التكاليف الاقتصادية لحرب العراق" من تأليف ليندا بيلمز" و"جوزيف ستيجليتز" جاء فيه أنه عندما كانت الإدارة الأمريكية تستعد للذهاب إلى الحرب في العراق، لم تكن هناك مناقشات تذكر حول التكاليف المحتملة لتلك الحرب. وعندما عبر "لاري لندسي" المستشار الاقتصادي للرئيس جورج بوش، عن اعتقاده بأن التكاليف قد تصل إلى 200مليار دولار، جاء رد فعل البيت الأبيض سريعاً بأن الرقم المذكور ينطوي على مبالغة مفرطة. أما نائب وزير الدفاع (السابق) "بول وولفوتز" فقد ادعى أن العراق يمكنه تمويل عملية إعادة إعماره بنفسه، وتشير التطورات إلى أن كليهما أساء تقدير متطلبات الحرب وأغفل عبء الدين الذي يثقل كاهل البلد. بل إن "لندسي" ذهب إلى حد القول "إن تنفيذ الحرب بنجاح سيفيد الاقتصاد". وتجلى العديد من الجوانب المتعلقة بحرب العراق على نحو مغاير تماماً لما صور عليه قبلها؛ فلم تكن هناك أسلحة للدمار الشامل، ولم يثبت وجود صلة واضحة بين تنظيم القاعدة والعراق، ولم يكن هناك خطر وشيك يبرر شن حرب استباقية، وبغض النظر عما إذا كان الأمريكيون قد استقبلوا كمحررين أم لا، فمن الواضح أنه أصبح ينظر إليهم الآن كمحتلين، ولم ينعم العراقيون بالاستقرار، وما من شك، إذاً، في أن الفوائد التي أتت بها الحرب تختلف اختلافاً كلياً عما ادعت الإدارة الأمريكية به.و الأمر ذاته ينطبق على التكاليف، فقد أصبح واضحاً الآن أن "لندسي" كان بالفعل على خطأ عندما أفرط في التهوين من تكاليف الحرب، فقد خصص الكونجرس ما يقارب 357مليار دولار للعمليات العسكرية، وإعادة الإعمار، وتسيير أمور السفارتين الأمريكيتين في العراق وأفغانستان، وتعزيز التدابير الأمنية في القواعد العسكرية الأمريكية، وبرامج المعونات الخارجية في البلدين. ويشمل ذلك المبلغ الإجمالي، والذي يغطي التكاليف حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، 251مليار دولار للعمليات العسكرية في العراق، و 82مليار دولار لأفغانستان، و 24مليار دولار للعمليات الخارجية ذات الصلة مثل إعادة الإعمار، وسلامة السفارتين، وأمن القواعد العسكرية. وقد شهدت هذه التكاليف ارتفاعاً مستمراً طوال فترة الحرب؛ فمنذ السنة المالية 2003، ارتفع متوسط التكلفة الشهرية للعمليات العسكرية من 4.4إلى 7.1مليارات دولار، إذ ازدادت تكاليف العمليات في العراق بنسبة حوالي 20% منذ العام الماضي (فيما تراجعت في أفغانستان بنسبة 8% عن العام الماضي). وبحسب تقديرات مكتب الكونجرس للميزانية، فإن حرب العراق ستخلف، وفقاً للسيناريو المركزي المتوسط المدى، تكاليف إضافية تزيد على 266مليار دولار خلال العقد القادم، بما تقترب معه التكاليف المباشرة للحرب من 500مليار دولار. وجاء في أحد فصول الكتاب أن تلك التقديرات تقل بكثير عن التكاليف الحقيقية للحرب التي ستتحملها الولاياتالمتحدةالأمريكية،وتسعى هذه الدراسة إلى تقديم مجموعة من التقديرات لما كانت عليه تلك التكاليف وما يُحتمل أن تؤول إليه. وحتى مع تبني مقاربة متحفظة، فثمة دهشة شديدة من مدى ضخامة تلك التكاليف، بحيث يمكن القول بشيء من الثقة، إن تلك التكاليف ستتجاوز التريليون دولار. ويلاحظ أنه من الصعب حساب تلك التقديرات حتى على أساس تقريبي، ويعود ذلك إلى جملة أسباب؛ فهناك المشكلات التقليدية المتعلقة بتقدير التكلفة، وهناك التكاليف المستقبلية المرتبطة بحرب العراق غير المتضمنة في الحسابات الحالية، وهناك الفروقات الكبيرة بين التكاليف الاجتماعية والأثمان المدفوعة من قبل الحكومة (مع العلم بأن تلك الأثمان فقط هي ما يتم تقليدياً إدراجه ضمن تقديرات التكلفة)، وهناك التكاليف الاقتصادية الكلية المرتبطة بارتفاع أسعار النفط ونفقات حرب العراق. فعلى سبيل المثال "لا الحصر" حساب قيمة أكثر من ألفي جندي أمريكي لقوا حتفهم منذ بداية الحرب وأكثر من ستة عشر ألفاً أصيبوا (حتى نهاية 2005)، فقد يقيس الجيش قيمة الجندي المقتول بقيمة المبلغ المدفوع كتعويض مالي عن وفاته وبمبلغ التأمين على الحياة لمن يبقى على قيد الحياة مع العلم أن القيمتين تمت زيادتهما مؤخراً من 12240دولاراً إلى 100ألف دولار بالنسبة للتعويض عن الوفاة ومن 250ألف دولار إلى 500ألف دولار بالنسبة إلى التأمين على الحياة. أما في المجالات الأخرى مثل قواعد السلامة والضوابط البيئية، فإن الحكومة تقدر قيمة حياة الرجل في ريعان الشباب بحوالي 6ملايين دولار بحيث ترتفع تكلفة الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم إلى حوالي 12مليار دولار.وتغفل التقديرات القياسية لتكاليف الموت كذلك التكاليف التي تخص حوالي مئة متعاقد مدني أمريكي، والصحفيين الأمريكيين الأربعة الذين قتلوا في العراق، بالإضافة إلى تكاليف جنود التحالف، والمتعاقدين من غير الأمريكيين العاملين لحساب الشركات الأمريكية. ويقيِّم الجيش تكلفة الجرحى بقيمة تكاليف العلاج الطبي الذي يتلقونه وبدلات الإعاقة التي يحصلون عليها. ولا تشمل الحسابات الحالية سوى المدفوعات الحالية للإعاقة دون القيمة المخصومة الحالية عن المدفوعات المستقبلية (المتوقعة)، في حين أن التحليل الكامل للتكاليف يجب أن يشمل البندين، أي القيمة المخصومة الحالية لكافة المدفوعات المستقبلية وكذلك الفرق بين مدفوعات العجز والدخل الذي كان يمكن للشخص الحصول عليه، مع العلم أن هذا الحساب يتجاهل التعويض الضخم الذي كان سيقدم عن الألم والمعاناة لو كانت تلك الإصابة من الإصابات الخاصة. وقد ارتفعت تكاليف التجنيد ارتفاعاً كبيراً، وحتى بعد انتهاء الحرب، فإن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن التعويضات، بما فيها تلك المقدمة إلى قوات الاحتياط وقوات الحرس الوطني، يجب أن تخضع للزيادة، فقد هوَّن الكثير من جنود الاحتياط، وخصوصاً من هم أكبر سناً ولديهم عائلات يعيلونها ومهن ثابتة يمتهنونها، من شأن المخاطر التي ينطوي عليها استدعاؤهم للاشتراك في حرب خارج البلد ومن قدرة الحكومة على إجبارهم على تمديد فترة خدمتهم وحتى إجبارهم على الخدمة لفترتين ثانية وثالثة، وخسر معظم هؤلاء جزءاً كبيراً من أجورهم بسبب الخدمة في العراق. وينطبق الأمر نفسه على الجنود النظاميين؛ إذ إن الأجور التي يتقاضونها حالياً تقل حتماً عن الأجور المنصفة التي كانوا سيتقاضونها في السوق بالنظر إلى ما يتطلبه إقناع الفرد بالعمل في العراق بمحض إرادته. وفي الحقيقة، نحن نعلم، من واقع مستوى الأجور التي يدفعها المتعاقدون الذين يؤدون أعمالاً مماثلة، الأجر المستحق في السوق الحرة عن مثل تلك الخدمات، وهي أضعاف ما يتقاضاه أفراد الجيش الأمريكي. ويعد حتى تحديد النفقات الحالية "المباشرة" من المهام الصعبة. فقد قدمت الإدارة الأمريكية رقماً على أساس التكاليف الحالية للعمليات في العراق. أما ما يعنينا هنا فهو إيجاد التكاليف الاقتصادية الإجمالية أي قيمة الموارد المستخدمة وهو ما لا تعكسه دائماً المعايير المحاسبية والأرقام الموازنية. تحاول الدراسة الخروج بتقدير أكثر شمولية لتكاليف حرب العراق وذلك باستخدام الأطر المحاسبية الموحدة، وللحصول على كشف الحساب النهائي، لابد بالطبع من الانتظار حتى انتهاء الحرب وهو موعد أقر الرئيس بوش نفسه بأنه ربما لا يكون قريباً، وحتى عندها، فستمر سنوات قبل أن نستطيع التأكد من مدى دقة تقديراتنا فيما يخص التكاليف المستقبلية؛ أي الزيادة في تكاليف التجنيد أو مدفوعات العجز أو تكاليف الرعاية الصحية للجرحى من المحاربين القدامى.