ما أنفقته الدولة من مليارات على الحرمين شيء ليس بالهين، وهو وإن كان لا منة فيه إلا أنه يستحق الثناء والشكر والدعاء حقاً. كما المشاريع القادمة تستحق أن يزال عنها كل ما يعيقها، وسنتنا في ذلك: أن الكعبة قد هدمت وأزيلت عدة مرات لتحسين بنائها، وساهم نبينا عليه السلام في هدمها وبنائها ووضع الحجر الأسود بيديه، والصحابة رضي الله عنهم والتابعون قد أزالوا بناء النبي صلى الله عليه وسلم الأول لمسجده النبوي الكريم. إذا كان ذلك كله قد تم، فلا أعرف قدسية لتلك القباب التي أصبحت نشازاً داخل المسجد الحرام، والتي بناها العثمانيون جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً وغفر لنا ولهم.. المسجد الحرام مسجد استثنائي، يتطلب عملاً مستمراً لا توقف فيه مهما طال الزمن، لذا من المتوقع التعامل معه بنظرة مستقبلية بعيدة، فكم هو جميل لو بدأ التخطيط لكي يكون هذا القرن بكامله قرن توسعة المسجد الحرام توسعة دائرية متتالية، كتلك الدوائر التي تحدث عندما تنزل قطرة على سطح بركة ساكنة، دوائر متتالية جميلة وعملية فعلاً، تتسع مع الزمن للطواف والصلاة في كل المواسم، ومهما بلغت أعداد الطائفين والركع السجود، بدلاً من الشكل الحالي الجميل وغير المنتظم والمعيق لتلك العبادة التي يقصد المسلمون الكعبة من أجلها (أي الطواف) والتي كانت تلك القباب أول أسباب إعاقتها وعدم انتظامها. قد يقول قائل: أليست مكلفة؟ والجواب: أنها لن تتم في عقد أو عقدين بل دعوها تستغرق القرن كله، لنبدأ تعلم الخطط المئوية بدلاً من الخمسية والعشرية، فإن تكون التوسعة عملية تتيح الطواف للملايين أهم من أن تكون تحفة فنية ومعيقة. النبي يقدم حلاً للمستقبل قال أحد الصحابة: (طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير - البخاري 2-582) هذه السنة النبوية الرائعة ليست دليلاً على جواز دخول الجمل للمسجد للطواف فقط.. انها أفق مستقبلي يفتح لنا حرية التعامل مع التقنية القادمة لحل مشاكل الزحام في الطواف. فإذا كان عليه السلام قد طاف راكباً وهو قادر على المشي، فلك أن تتصور أشكال التقنية التي بإمكاننا استعمالها للطواف - ركوباً جلوساً وقياماً من بعيد، لو كان المسجد دائرياً، والتي يصعب تطبيقها مع الشكل الحالي غير المنتظم، كم هو جميل لو كان هناك دائرة وسط تلك الدوائر المتتالية المقترحة.. دائرة مبنية ومكيفة لظروف الصيف والشتاء وعلى سطحها ما شئت من تقنية تمكن من الطواف دون الحاجة للمشي، وتحل كثيراً من الاشكالات. إذا كان الطواف بهذه المرونة فمن باب أولى السعي والمسعى. قد أكون حالماً، لكن الانجازات الكبيرة تبدأ بحلم.