شرعت أمس، مجموعة من أهم الخبراء المحليين والعرب في المعاجم اللغوية والمختصين في البدء بالخطوات التنفيذية "لمبادرة الملك عبد الله للمحتوى العربي" ووضع الأسس العلمية وتحديد الجهات المنفذة لمشروع بناء المعجم الحاسوبي التفاعلي وبناء مكوناته اللغوية والحاسوبية، وذلك في مقر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وقدم الدكتور عبدالله بن أحمد الرشيد نائب رئيس المدينة لدعم البحث العلمي في كلمة ألقاها في افتتاحية فعاليات ورشة العمل الثانية "المعجم الحاسوبي التفاعلي" نيابة عن معالي رئيس المدينة استعراضاَ للجهود المبذولة لخدمة اللغة العربية والناطقين بها، مشيراً إلى أن هذه الجهود لازالت دون المأمول والمتوقع من المختصين في هذا المجال المهم. وقال الدكتور الرشيد إن المختصين في المؤسسات العلمية يعانون بشكل كبير من قضية استخدام اللغة العربية في المصطلحات العلمية، وعدم وجود مصطلحات علمية عربية في الكثير من المجالات العلمية، وإن وجد هذا المصطلح فإن هناك اختلافاً وعدم اتفاق على هذا المصطلح بين الأقطار العربية، مشيراً إلى أن المعجم العربي الحاسوبي التفاعلي يشكل بداية للجهود بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم التقنية والمؤسسة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وبين الرشيد أن المملكة بشكل عام ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بشكل خاص تقوم بجهود عديدة في هذا الشأن ، كان آخرها الإعلان قبل أسبوعين عن جائزة خادم الحرمين الشريفين للترجمة العربية، ومن ضمنها ترجمة الكتب العلمية من والى اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، وهي جائزة قيمة وكبيرة وعلى مستوى عالمي، كما تبذل المدينة الآن جهودها لإعداد مبادرة الملك عبدالله للمحتوى العربي في الانترنت التي أطلقت قبل فترة. واستعرض جهود مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمشاريع التي تنفذها في هذا المجال منها معجم المصطلحات "باسم" الذي يشرح المفهوم العلمي بلغة عربية دارجة، كما دعمت المدينة بعض الأبحاث والدراسات التي نفذها متخصصون في مجال التعليم، ونتج عنها المعجم اللغوي لكل من المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، حيث يستفيد منها مؤلفوا مناهج التعليم في هذه المراحل. وأضاف: إن المدينة توفر خدمة الترجمة الآلية للقطاعات الأكاديمية والحكومية مجاناً عبر الاستفادة من تقنيات الترجمة الفورية في الحاسبات، كما نفذت المدينة بعض المشاريع البحثية أثمرت عن منتجات منها نظام الناطق العربي الآلي، نظام التعرف الآلي على الكلام العربي بالتعاون مع شركة آي بي أم ، نظام آلي لرومنة أسماء الأعلام العربية وهو يحول الحروف العربية إلى لاتينية، وتصميم حروف عربية حاسوبية تستخدم حالياً في نظام لينكس والمعاملات الإدارية داخل المدينة، إضافة إلى نظام التعرف الضوئي على الكتابة العربية، ونظام المشكل الآلي للحروف العربية وغيرها من الأبحاث التي تعمل المدينة حالياً عليها أو بالتعاون مع جهات أخرى متعلقة باللغة العربية، كمحرك البحث العربي، والتصنيف الآلي للنص العربي، والتقييم الآلي للمقالة العربية. وقال نائب رئيس المدينة لدعم البحث العلمي إن هذه الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية بشكل عام والمدينة بشكل خاص تؤكد الحرص على خدمة اللغة العربية والناطقين بها، وتلك رسالة عظيمة ودور كبير يتوجب علينا القيام به جميعاً ودعمه بكافة الأشكال، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو المنظمات الإقليمية وحتى الدولية متى ما سنحت الفرصة. عقب ذلك قدم ممثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور أيمن قلق، كلمة أوضح فيها أن بقاء اللغة بعيدة عن الواقع الفعلي ودون تطبيق عملي لمنجزاتها من شأنه أن يحمل أهلها ومستعمليها من غير أهلها على الإحساس بعدم أهليتها، مما يترتب عليه ضآلة محصول الفرد من مفرداتها وطرق استعمالها وتراكيبها، الأمر الذي يسبب عواقب خطيرة على شتى الأصعدة النفسية والاجتماعية والثقافية والعلمية. وشدد أيمن قلق على المختصين في المجتمع المعلوماتي والمعرفة بذل كل جهد لجعل اللغة تساعد في تحقيق أهداف هذا المجتمع، مشيراً إلى أن استخدام اللغة العربية للاتصال يعد دعماً وتفعيلاً لهذا الجهد، مبيناً وجود عجز لدى الفرد العربي في الإحاطة بقسط كبير من مفردات لغته الأم، وحاجته الماسة إلى مراجع يعتمد عليها وتزوده بما يحتاج إليه منها وتعرفه بمعاني ومدلولات هذه المفردات. وقال: إن المعاجم اللغوية تعد مراجع تعين الفرد وتمده بما يحتاج إليه وتعرفه بمعاني المفردات وهي بمثابة خزانة جامعة للغته وكنوزها التي يستمد منها ما يغني حصيلته اللغوية، مشيراً إلى أن أثر المعاجم ومدى فعاليتها يتوقفان بصورة أساسية على درجة استعمالها وتمكن الفرد من طرق استخدمها. وأهاب ممثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بخبراء المعاجم اللغوية بذل الجهد في هذه الورشة لإنجاز معجم حاسوبي تفاعلي مفتوح المصدر للغة العربية، تحقيقاً لقرارات قمتي الرياض ودمشق اللتين دعتا إلى تعزيز حضور اللغة العربية في مجالات الاتصال والإعلام والانترنت ومجالات العلوم والتقنية، مشيراً إلى أن إدراج هذا المشروع القومي ضمن مبادرة الملك عبدالله لدعم المحتوى العربي على الانترنت، يشكل دعماً وحافزاً قوياً للمشاركين في هذا المشروع الهام والحيوي. وقال إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رسخ المسارات العلمية والتقنية في المملكة من خلال رعايته لخطط التنمية الوطنية الشاملة الهادفة إلى تحقيق التوجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، وتشجيعه على قيام مدن المعرفة الاقتصادية، وبعث الجامعات البحثية التي تضاهي في مستواها أكبر الجامعات العالمية، كجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي ستعطي مفهوماً متطوراً لتحقيق الحرية العلمية البحثية لجميع العلماء والتواصل مع شعوب العالم. وبين أيمن قلق أن قيام مؤسستين عربيتين عريقتين بدعم هذا المشروع وهما مدينة الملك عبدالعزيز للعوم والتقنية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم يشكل دعماً وحافزاً للقائمين على هذا المشروع الفعال، مشيراً إلى أن هذا التعاون يعد دليلاً على التنسيق المستمر والتشاور بين المنظمة والمملكة بفضل دعم خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة ورئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم. من جانبه وصف ممثل لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الدكتور محمد مراياتي مشروع المعجم الحاسوبي التفاعلي بالمشروع المتميز في تاريخ اللغة العربية، نظراً للمميزات المتعددة الذي يتمتع به هذا المعجم والتي تغيب عن جميع المعاجم المتواجدة حتى الآن. وأضاف أن هذا المشروع سيكون لبنة هامة في عملية التنمية العربية بدون مبالغة فهو مخصص للجميع طلابا ومدرسين كما سيخدم الباحثين والعاملين في القطاعات الاقتصادية عامة حيث سيكون مفتوح المصدر ومتوفراً للجميع، كما يتوقع أن يكون له استثمار على مدار العالم العربي، وخدمة المحتوى العربي الرقمي بشكل كبير ومؤثر. وتساءل مراياتي قائلاً: كيف يمكن للمجتمع العربي أن يصبح مجتمع معرفة، بدون وجود حصيلة معرفية في لغته، مشيراً إلى أن ذلك يدلل على مدى أهمية المحتوى الرقمي العربي، ويحتم علينا دعم وجود المعرفة في اللغة العربية، عن طريق هذا المعجم الذي سيكون له تطبيقات شتى في مختلف اللغات، لأنه لن تكون هناك تنمية عربية اقتصادية دون تقدم في اللغة العربية بشهادة الاقتصاديين. وأشار مراياتي إلى أهمية اللغة العربية حيث تحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد الانجليزية والاسبانية من حيث عدد المتعلمين ، كما تعد من اللغات الخمس الرسمية في العالم على مستوى منظمة الأممالمتحدة، وهي من اللغات العريقة في هذا العالم، مشيراً إلى تقرير الأممالمتحدة عام 2003م الذي أكد على وجوب اهتمام الدول العربية باللغة العربية لكي يتقدم اقتصادياً، وهذا يدلل على مدى أهمية اللغة في الاقتصاد وتحقيق التنمية الشاملة.