من الأمور التي كثر جدل الناس فيها، بل وأورثت لدى البعض شيئاً من المخاوف والأحزان ما يتعلق بمسألة الرؤى والأحلام خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه المعبرون والمتسلقون على هذه الصنعة ودخل فيها من لا يحسنها، بل صارت مادة مطلوبة ومرغوبة من الكثيرين. وكم نحن بحاجة لمعرفة أمور تأصيلية في هذا الباب؛ للحديث عن ذلك التقينا فضيلة عايض بن محمد العصيمي "معبّر الرؤى والأحلام المعروف". ؟ ما أنواع الرؤى فضيلة الشيخ؟ - ما يراه النائم في نومه أحبتي الكرام لا يخلو من أن تكون رؤيا صالحة أو حلماً أو حديث نفس، فقد روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الرؤيا ثلاث: فالرُؤءيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه". رواه مسلم، وفي رواية: "الرؤيا ثلاث فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان". أخرجه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. وعليه فإن ما يراه النائم في منامه لا يخلو من أحد أمور ثلاثة: أولاً: رؤيا صادقة من الله، وبشرى منه تعالى، وهي حق، وجزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهي حديث الملك أيضاً. ثانياً: رؤيا مكروهة، أو حلم من الشيطان، أو حديث الشيطان، أو تحزين من الشيطان، أو أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم. ثالثاً: حديث النفس: ليست من الله ولا من الشيطان، وهي مما يحدث المرء أو الرجل نفسه، أو يهم الرجل به في يقظته فيراه في منامه. كل ما سبق من هذه الأنواع والألفاظ والأسماء شرعية مستنبطة من أحاديثه - صلى الله عليه وسلم - يقول ابن عبد البر - رحمه الله تعالى- "وقد قسّم رسول الله الرؤيا أقساماً تغني عن قول كل قائل". (التمهيد 285/1). ؟ ما آداب الرؤيا الصالحة؟ - قال - صلى الله عليه وسلم - "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك ما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره". رواه البخاري. ويستحب لمن رأى رؤيا طيبة سُرَّ لها أمور هي: أولاً: (أن يحمد الله عليها): لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها". رواه البخاري. ثانياً: (أن يستبشر بها): لقوله عليه الصلاة والسلام: "فإن رأى رؤيا حَسَنَةً فَلءيُبشِّرء، ولا يخبر إلا من يحب" رواه مسلم. ثالثاً: (أن يتحدث بها لمن يحب دون من يكره): لقوله عليه الصلاة والسلام: "الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب". رواه البخاري. وفي رواية لمسلم: "فإن رأى رؤيا حسنة فَلءيُبشِّرء ولا يخبر إلا من يحب". رواه مسلم. فتأمل في قوله: "ولا يخبر بها إلا من يحب" فلا يحدث بها عدواً ولا حاسداً حتى لا يسبقه لهذه النعمة، والحاسد - أيها الأحبة الكرام - لا يكفيه أن يحسدك بواقعك وحياتك التي تعيشها. بل يحسدك حتى في رؤاك ومناماتك، فلا يتمنى أن ترى إلا أحلاماً مزعجة، وكوابيس شيطانية منغصة - والعياذ بالله - وهذا دليل على خبث نفسه التي بين جنبيه، وكلنا نعلم أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما ثبت هذا عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أبي داود وابن ماجة. رابعاً: (أن يسعى في تفسيرها تفسيراً حسناً صحيحاً): لأن الرؤيا تقع على ما تعبر به، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فَلءيَقُصُّهَا، أُعءبُرَها له". رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : "إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها" رواه الترمذي. خامساً: (أن لا يقصها إلا على لبيب أو حبيب أو عالم أو ناصح أو ذي رأي): قال عليه الصلاة والسلام: "ولا يقصها إلا على وَادٍ أو ذِي رَأءيٍ" رواه أبو داود. وفي لفظ عند الترمذي: "ولا يحدث بها إلا لبيباً أو حبيباً". رواه الترمذي. وصححه الألباني. وفي لفظ له آخر: "لا تقص الرؤيا إلا على عَالِمٍ أو نَاصِحٍ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني. وفي لفظ عند الإمام أحمد في مسنده: "ولا تحدثوا بها إلا عَالمِاً أو ناصِحاً أو لَبِيباً". قال الحافظ أبو بكر بن العربي: "أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه، وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه، وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في ذلك أو يسكت، وأما الحبيب فإن عرف خيراً قاله، وإن جهل أو شك سكت". (عارضة الأحوذي: 129/9) بتصرف. ؟ هناك الأحلام وهي الرؤى المكروهة. ما الآداب التي وجهنا الشارع للتعامل معها؟ - من السنن والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من رأى مثل هذه الأحلام المزعجة والكوابيس: أولاً: الاستعاذة بالله من شرها: لما روى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قوله- صلى الله عليه وسلم - : "... وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها...". الحديث رواه البخاري. ثانياً: (الاستعاذة من الشيطان الرجيم ثلاثاً): لأنها من تهويله وتخويفه وتحزينه للرائي، روى مسلم في صحيحه قوله عليه الصلاة والسلام: "... وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً..." الحديث. وقوله عليه الصلاة والسلام: "والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه". رواه البخاري. ثالثاً: (التفل عن اليسار ثلاثاً): وذلك طَرءدَاً ودَحءرَاً واحءتِقَاراً للشيطان، قال عليه الصلاة والسلام: "...وليبصق عن شماله فإنها لا تضره" رواه البخاري. وعند مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه - قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً..." رواه مسلم. وللفائدة: فقد صح في السنة النبوية لفظ: (التفل - والنفث- والبصق- والبزق- والبسق) كلها واردة ثابتة صحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، ولفظ: (التفل) آكد وهو جامع لجميع هذه الألفاظ وهو: نفخ لطيف من الفم بلا ريق، والتثليث - أي التفل ثلاث مرات - للتأكيد كما بينه أهل العلم. (فتح الباري: 388/12). رابعاً: (التحول عن الجنب الذي كان عليه): وهو من التفاؤل تغييراً للحال قال عليه الصلاة والسلام: (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) رواه مسلم. خامساً: (الصلاة): روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم، فليصل، ولا يحدث بها الناس). والصلاة تجمع كل هذه الآداب من وضوء، واستعاذة، وتحول عن الجنب الذي كان عليه إلى غير ذلك. سادساً: (أن يسكت، ولا يحدث بها أحداً): فلا يذكرها لأحد أبداً، حتى لا يتعجل في تعبيرها وتفسيرها وحتى لا تبقي له أثراً في نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: (... وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها، ولا يخبر بها). أخرجه الترمذي وغيره. ولقوله عليه الصلاة والسلام: (... وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره). رواه البخاري. وقال عليه الصلاة والسلام: "فإن رأى أحدكم ما يكره فَلءيَقُمء، فَلءيُصَلِّ، ولا يحدث بها الناس" رواه مسلم. وفي نظري أن هذا من أهم الآداب في التعامل مع الرؤى والمنامات، فإنه إن سكت، ولم يحدث بها، فإنها والله لا تضره أبداً كما مر معنا، هكذا قال الذي لا ينطق عن الهوى، ويكفينا أحبتي أن الإمام البخاري بوب باباً في صحيحه في كتاب التعبير سماه: (باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها، ولا يذكرها). وأخيراً: جاء في سنن سعيد بن منصور، ومصنف ابن أبي شيبة، ومسند عبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: "إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني فيها ما أكره من ديني ودنياي". صححه ابن حجر في الفتح: (388/12). والله تعالى أعلم.