سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التشابه الطبقي بين البحرين والساحل الشرقي قاد المنقبّين الأوائل إلى مغامرة غيّرت وجه التاريخ أرامكو: الحدس الشخصي لم يعد مجدياً في الاكتشافات النفطية الحديثة
في ثلاثينيات القرن الماضي؛ اهتدى المنقّبون الأوائل إلى النفط السعودي بعد مقارنة بعض الخصائص الجيولوجية في الساحل الشرقي بخصائص مشابهة في البحرين التي سبق اكتشاف النفط فيها. إذ أظهرت نتائج المسح الجوي والطبوغرافي تشابه التكوينات الجيولوجية بين طبقات الصخور في منطقة التنقيب في البحرين وبين منطقة قبة الدمام. وعلى الرغم من أن النفط لم يتدفق إلا بعد ثلاث سنوات من أعمال الحفر الذي بدأ عام 1935، حيث ظهر النفط بكميات تجارية عام 1938؛ فإن المقارنة الأولية التي توقف عندها المنقبون الأوائل أكدت ذلك. وعلى امتداد ثلاثة أرباع القرن؛ جرّبت أرامكو السعودية كلّ التقنيات التي يمكنها أن تساعد في المحافظة على موقع المملكة العربية السعودية الدولي إنتاجاً وتصديراً للنفط. ولا تزال تجرب دون أن تدّخر الشركة الوطنية الكُبرى وسعاً أو ثمناً أو جهداً في سبيل تطوير قدراتها البشرية والتقنية سعياً إلى تمويل برامج التنمية المحلية الشاملة، ومساندة اقتصاديات العالم الحديث. وتأتي أعمال التنقيب في صدارة التقنيات التي تبحث أرامكو السعودية في تطويرها على مستوى اليوم الواحد، باحثة عن مستجدّات العلوم المختلفة التي تختصر مسافة الوصول إلى مكامن النفط والغاز. تقنيات حديثة ومن المؤكد أن تقنيات اليوم تختلف عن تقنيات الثلاثينيات؛ ومن بين التقنيات المتقدمة التي يستخدمها الجيولوجيون والمهندسون في أرامكو- تقنية المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد والتوجيه الأرضي، وهي تقنية تمكنهم من الحصول على نماذج محاكاة رقمية لمكامن النفط والغاز وهم في غرف مكيّفة في المعامل، وصار بإمكانهم إرشاد فرق الحفر إلى الأماكن والإتجاهات التي يجب الحفر فيها. وفي السابق كان عليهم أن يكونوا موجودين في الحقل أثناء البحث عن الزيت، وكان عليهم استكشافه والقيام بأعمال التفجير في المكامن لدراستها. أما في ظل تقنية التوجيه الأرضي الحالية، فقد أصبح بالإمكان متابعة المنقبين للحفر وإعطاء الإرشادات من خلال الحاسب الآلي. لقد كان افتتاح مركز التنقيب وهندسة البترول عام 1983م؛ واحداً من الصروح العلمية والتقنية في أرامكو السعودية، وقد عملت أنظمته الحاسوبية المعقدة على تطوير وتنفيذ تقنية التنقيب وتطوير الحقول. وتمكن العاملون في هذا الصرح من تطوير إمكانياتهم بصورة مطردة، ومن خلال مركز "الإكسبك" تمكن الجيولوجيون ومهندسو البترول والفنيون السعوديون، خلال العقد الماضي، من تطوير نماذج ثلاثية الأبعاد لطبقات الأرض في مكامن الزيت، واستعانوا بالحاسب الآلي في الحصول على صور بالأقمار الاصطناعية لسطح الأرض وأعمال المسح المغناطيسي الجوي. وبالتالي صار في وسعهم تنفيذ رسومات دقيقة لطبقات الأرض وتحديد الطيات والمكامن المحتملة لاحتواء الزيت والغاز وتقدير كمياتها? دون أن يغادروا مختبراتهم. زمن المشاهدة البصرية ويشير تاريخ النفط إلى أن البحث عن الزيت لم يكن يتمّ بطريقة منهجية حتى القرن التاسع عشر الميلادي. فقد اكتشف في بعض المناطق متسرباً إلى سطح الأرض في شكل برك، أو في شكل سائل يلمع على سطح جداول الماء. وفي مناطق أخرى كان وجوده واضحاً يغني عن البحث، كما هو الحال في بحيرة "القار" في ترينداد، التي يقدر أنها كانت تحتوي على 200مليون برميل من الزيت الثقيل والإسفلت، وفي مناطق أخرى كان يمكن الوصول إليه عن طريق الحفر اليدوي. وقد لاحظ جيولوجيو ذلك القرن أن بقع الزيت المتسربة من الأرض تصدر عن طبقات صخرية من الأرض تسمى التشكيلات القبابية، وتوقعوا أن يكون الزيت محبوساً في هذه التراكيب. والتشكيلات القبابية هي أحد أنواع التراكيب الصخرية التي تنحني عند منتصفها إلى الأعلى، بعيداً عن المركز مشكّلة تركيباً صخرياً يشبه القبة. وعلى مدى ملايين السنين تدفق الزيت خلال طبقات الصخور المسامية، ليتجمع في تلك التراكيب القبابية وينحبس فيها بسبب طبقة من الصخور غير المسامية التي تعلوها. تكوين النفط.. جيولوجياً والاعتقاد السائد لدى أغلب الجيولوجيين هو ما تذكره النظرية العضوية التي ترجّح أن النفط تكوّن من بقايا كائنات عضوية تراكمت منذ ملايين السنين، وتستند النظرية، هذه، إلى وجود مواد معينة حاوية للكربون في الزيت. ومثل هذه المواد لا يمكن إلا أن تكون ناتجة عن كائنات حية. وفي السياق ذاته ساعدت الظروف نفسها في تكوين الغاز الطبيعي، إلا أن هذا الأخير يتكّون نتيجة وجود صخور حاملة لمواد عضوية مدة أطول في باطن الأرض أو نتيجة تعرضها لحرارة أعلى. وحسب النظرية العضوية، فقد غطى الماء في الماضي رقعة من سطح الأرض أكبر بكثير مما هي عليه الآن. وعاشت أعداد كبيرة من الكائنات الدقيقة في مياه ضحلة أو قرب أسطح البحار والمحيطات. وبموت هذه الكائنات استقرت بقاياها في قاع البحار والمحيطات وانحبست في ترسبات الطين والرمل وغيرها من مواد. وكلما استقرت الترسبات في مناطق أعمق، تعرضت إلى درجات حرارة وضغوط متزايدة مما أدى، في النهاية، إلى تكوين الصخور الرسوبية. وجعلت هذه الظروف الصخور تمر بعمليات وتفاعلات كيميائية أدت، بدورها، إلى تكوين مادة شمعية تسمى الكيروجن، وهي مادة عندما تسخن إلى درجات حرارة أعلى من 100درجة مئوية فإنها تنفصل مكونة سائل "الزيت" وغاز "الغاز الطبيعي". وعندما يكون الزيت مدفوناً في أعماق أبعد ويتعرّض إلى درجات حرارة أعلى من 200درجة مئوية، فإن الروابط التي تشد الجزيئات الكبيرة المعقدة بعضها ببعض تضعف، وبذلك يتحلل الزيت. وبمرور الوقت يتحرك الزيت والغاز إلى أعلى عبر منافذ طبيعية في الصخور وهي الصدوع والشقوق والصخور المسامية. أساليب استكشاف @ وهذه الأساسات الجيولوجية هي التي تقود العلماء والمهندسين الباحثين عن النفط إلى تطبيقات عملية ذات صلة بتوقعات نفطية. وليس بالضرورة أن ينبئ سطح الأرض عن أماكن تجمع الزيت في باطنها، لذلك يعتمد البحث عن الزيت على مجموعة من الطرق لاستنتاج ما يكمن تحت سطح الأرض، أهمها فهم طبيعة الأرض نفسها، كيف؟ ومم تكوّنت؟ وماذا طرأ عليها من تغير عبر الأزمان؟ - ويبدأ البحث عن النفط بدراسة خصائص سطح الأرض، بدءاً بالخرائط المصوّرة جواً أو صور الأقمار الاصطناعية، حيث يوظف الجيولوجي خبراته في دراسة أصل وتركيب وتوزيع الطبقات الصخرية "طبقات الأرض" ونشأة الصخور "علم الصخور" والأحافير النباتية والحيوانية التي خلفتها العصور الجيولوجية السحيقة، بهدف تكوين خرائط جيولوجية لسطح الأرض. وهذه الخرائط أداة مهمة تمكّن المختصين في مجال عمليات تكوّن الزيت وتجمّعه من تحديد مكامن الزيت المحتملة، بعد أن كانوا يتجهون إلى الحفر بمجرد مشاهدة تسربات الزيت على السطح. ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، اعتمدت طرق التنقيب على علم فيزياء الأرض "الجيوفيزياء" وهو علم حديث لعب أدواراً مهمة. والأساليب الثلاثة الرئيسة التي يعتمدها هذا العلم في أبحاثه الميدانية عن النفط هي: المسح المغناطيسي، والسيزموغرافي، ومسح بيانات الجاذبية الأرضية؛ وغالباً ما تستخدم، مجتمعة أو كل أسلوب على حدة، لتحدد بدقة كبيرة شكل وحجم تكوينات طبقات الأرض. وقد بدأ الجيولوجيون الأوائل في التنقيب عن النفط في شرق المملكة في تلك الفترة، بعد توقيع اتفاقية الامتياز الأساس بين حكومة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا "سوكال"، وتحديداً في 4صفر 1352ه الموافق 29مايو 1933م، إلى أن عثر على النفط بعد سنوات وفاضت "بئر الخير"، بئر الدمام رقم 7، بكميات تجارية من الزيت الخام، معلنة بداية حقبة جديدة في تاريخ الحياة في شبه الجزيرة العربية. المسح المغناطيسي ويُعتبر المسح المغناطيسي أقدم الأساليب استخداماً لدى خبراء التنقيب، ويعمل هذا الأسلوب على المسح باستخدام أجهزة لقياس مقادير التفاوت في قوة المجالات المغناطيسية فوق سطح الأرض المراد مسحها. حيث يكتشف الاختلافات الدقيقة في المجال المغناطيسي للأرض. ولما كانت الصخور الرسوبية عديمة المغناطيسية، والصخور النارية ذات تأثير مغناطيسي قوي فإن الفروق في المجال المغناطيسي من منطقة إلى أخرى يُحدد حجم وشكل وسمك الطبقات الرسوبية التي يُحتمل احتواؤها على الزيت. ويتم المسح المغناطيسي اليوم عادة عن طريق طائرات خاصة مجهزة، وتجمع هذه الطائرات بيانات مستمرة في مساحات جغرافية واسعة. كما تستخدم طريقة مشابهة على السطح وهي طريقة المسح المغناطيسي الأرضي لقياس المجالات المغناطيسية والكهربائية للأرض لتحديد عمق وسمك الوحدات الجيولوجية تحت سطحها. مسح بيانات الجاذبية أما أجهزة قياس الجاذبية فتقيس الفروق الدقيقة في مجال الجاذبية الأرضية، إذ تساعد الاختلافات بين مستوى شدّة الجاذبية للصخور الرسوبية والنارية المنقبين عن الزيت على تحديد شكل وحجم وتوزيع هذه الصخور تحت الأرض. المسح السيزمي (الزلزالي) وبينما تؤدي أجهزة قياس المغناطيسية والجاذبية دوراً مهماً في التنقيب عن الزيت، فإن تطور التقنيات الجيوفيزيائية قد جعل المسح السيزموغرافي أوسع الطرق انتشاراً لدراسة الطبقات الأرضية، بل وربما أهمها. فاليوم بدأت تستخدم تقنيات متطورة في مجال التنقيب عن الزيت أجهزة تعتمد في عملها على أسس مشابهة لأجهزة قياس الزلازل "السيزموغراف" ولكن لقياس وتسجيل درجات أقل من اهتزازات أرضية أو صدمات اصطناعية يمكن إحداثها بتفجير شحنات في سلسلة من الحفر قليلة العمق لتوليد الموجات الاهتزازية. وأكثر الطرق انتشاراً في أعمال التنقيب عن الزيت في المملكة هي طريقة استخدام مسند معدني، هزّاز، ثقيل الوزن، مركب على الجانب السفلي لسيارات مجهزة لهذا الغرض. وتقوم السيارة بالسير بمحاذاة الخطوط التي تم مسحها وتتوقف عند مسافات منتظمة وتُنزل المسند المعدني إلى الأرض لتوليد سلسلة من الموجات الاهتزازية. وتسري الاهتزازات الناجمة عن أي من هاتين الطريقتين إلى الأسفل عبر طبقات الأرض، وكلما واجهتها طبقات صخرية مختلفة الخصائص ترتد إلى سطح الأرض، ليتم تسجيلها باستخدام ميكروفونات بالغة الحساسية تسمى "الجيوفونات" أو السماعات الأرضية. وتوفر الموجات المنعكسة من الطبقات الصخرية إلى السماعات الأرضية أدق المعلومات عن شكل وسماكة طبقات الصخور الرسوبية ومصائد الزيت. كما يتم قياس الوقت الذي تستغرقه الموجة الاهتزازية في انتقالها من مصدر الاهتزاز إلى طبقة صخرية حتى عودتها إلى "الجيوفون" بدقة تصل إلى جزء من الألف من الثانية. وتتم معالجة البيانات المسجلة على أجهزة الجيوفون للخروج بصورة مرئية للطبقات الصخرية تحت سطح الأرض على طول ما يسمى بالخط السيزمي.