تضخم البروستاتا الحميد مرض يصيب الملايين من الرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر في كل أنحاء العالم مع نسبة حوالي 50٪ بعد سنة 60 سنة و80٪ بعد 85 سنة من العمر. المعالجة ترتكز على شدة الاعراض البولية ودرجة مضايقتها للمريض وتأثيرها على جودة حياته وتشمل الاعشاب وبعض العقاقير والكي والجراحة الاستئصالية او بالليزر، كما شرحناه بالتفصيل في عدة مقالات سابقة في قسم العيادة الطبية في جريدة الرياض الغراء. وقد احتد الجدل الطبي حول منفعة وسلامة بعض الاعشاب التي تستعمل على نطاق واسع في كل انحاء العالم وخصوصاً في اوروبا لمعالجة هذه الحالة وأهمها «سيرنيوا ريبنس» او «الصو بلميتو» والتي تباع تحت اسم «برميكسون»، المصنوعة من شركات فرنسية. وهنالك حوالي 100 نوع من تلك العشبة وغيرها في الاسواق حالياً تباع بدون وصفة طبية وتخرج عن سيطرة المراكز الطبية للادوية في الولاياتالمتحدة واوروبا وتجني الملايين من الدولارات لمصنعيها الذين يروجون لها في وسائل الإعلام ويؤكدون حسناتها وفوائدها المتميزة. وسنحصر مقالتنا هذه بعشبة «سيرنيو رينبس» او «صو بلميتو» الاكثر انتشاراً ومبيعاً من كل الاعشاب الاخرى مرتكزين على الدراسات العالمية حول مميزاتها واسباب نجاحها واعراضها الجانبية ونتائجها كي نتمكن من الاجابة على السؤال المهم. هل لتلك العشبة اية منفعة طبية في معالجة تضخم البروستاتا الحميد ؟ووضع حد لاعراضه البولية المزعجة ومدى سلامتها في هذا المجال؟. من أين يأتي ان هذه العشبة تستخلص من نخلة أمريكية قزمة تنمو في الساحل الجنوبي الشرقي من الولاياتالمتحدة وتدعى «سيرانيو ريبنس» وتنبت توتاً ارجوانياً او اسود اللون الذي يجفف ويضع منه مستحضر «الصو بلميتو». وقد استعمله الهنود الأمريكيون لتنشيط وظيفة الخصيتين ومعالجة التهابات الغشاء المخاطي وانتشر لاحقاً منذ سنة 0781م. لمداواة عدة حالات مرضية أهمها قلة الشهية وتوتر المبيض والرحم وعسر الطمث وتضخم البروستاتا والتهابات المثانة ولزيادة افرازات غدد الثدي وغيرها. ومفعول تلك العشبة حسب الدراسات والاختبارات على الحيوانات والاشخاص حولها وخلوها بالنسبة الى تضخم البروستاتا الحميد يعود الى 3 آليات فيزيولوجية وهي: 1- مضاد للهرمون الذكري: أظهرت دراسة قام بها الدكتور سلطان عام 4891م. فعالية تلك العشبة على تثبيط رباط الهرمون الذكري «الديهيد روتسيتو ستيرون» بمستقبلاته داخل خلايا البروستاتا مما اتاح الفرصة الى عدة اخصائيين ليبرهنوا لاحقاً ان الصو بلميتو مثبط لانزيمات 1 و 2 «ريدكثاز» الفا 5 المسؤولة على تحويل الهرمون الذكري أي التيستوستيرون الى هرمون «الديهيد روتسيتو ستيرون الذي يفوقه حوالي 7 اضعاف بالفعالية والذي يعتبر من العوامل المسؤولة لتضخم البروستاتا الحميد وذلك في درس الخلايا المستخلصة من البروستاتا المتضخمة والمزروعة في وعاء في المختبر. واكدت الدراسات السريرة تلك الآلية وبرهنت عدم تأثير تلك العشبة على تركيز «ب اس اي» في الدم وانتقاء مفعولها على خلايا البروستاتا فحسب بدون أي تأثير على خلايا الكلية والخصية والبربخ والثدي مع حدوث موت مبرمج لها. وفي دراسات سريرية على رجال عولجوا «بالصو بلميتو» لمدة اشهر ثم اخضعوا الى عملية استئصال البروستاتا تبين في الفحص النسيجي الكيماوي انخفاض هرمون «الديهيد روتيستو ستيرون» في خلايا البروستاتا نتيجة ذلك العلاج مما يشير الى فعالية تلك العشبة على تثبيط انزيم «ريدكثاز الفا 5» مما يساعد على ضمور غدد وسدى البروستاتا وتخفيف الاعراض البولية. علاوة على ذلك فإن استعمال تلك العشبة على الفئران ادى الى انخفاض الهرمونات الانثوية في البروستاتا التي تلعب دوراً مهما في حدوث تضخم البروستاتا الحميد عند الإناث واحدث نقصاً ملموساً في الخلايا الالتهابية داخلها وحافظ على سلامة الخلايا البروستاتية. 2- فعالية «الصو بلميتو» ضد التهاب البروستاتا. ان تضخم البروستاتا الحميد يترافق مع وجود خلايا التهابية بنسبة 03٪ الى 05٪ من تلك الحالات مما يوحي بوجود تفاعل التهابي قد يحث على انتاج عوامل النمو ومواد مناعية قد تساهم في حدوث تضخم البروستاتا الحميد. ومن اهم تلك المواد البروستغلندين و«اللوكوثراين» التي قد تثبطها عشبة «الصو بلميتو» وتحد من درجة الالتهاب وتمنع حدوث التضخم البروستاتي بواسطة تأثيرها السلبي على انزيم «ليبوكسجيناس» الذي يسهل انتاج تلك المواد الالتهابية. 3- تأثير «السيرينوا ريبنس» على موت الخلايا المبرمج وتكاثرها. ان عملية موت الخلايا المبرمج ظاهرة طبيعية لحماية الجسم ضد حالات مرضية عديدة ابرزها داء السرطان ففقدان التوازن بين تكاثر خلايا البروستاتا وموتها قد يسبب تغييراً في حجمها مما يشدد على اهمية تلك التغييرات الفيزيولوجية للحفاظ على سلامة ووظيفة تلك الغدة . وقد برهنت عدة دراسات ان مراحل الموت المبرمج وتكاثر الخلايا تقع تحت تأثير التفاعل ما بين ظهارة وسدى البروستاتا وعوامل النمو وتركيز الهرمونات داخلها ووجود جينات خاصة مثل «ب س ل 2» التي تثبط الآلية الفيزيولوجية للموت المبرمج لتلك الخلايا. وفي دراسة قام بها الدكتور «فاشيرو» وزملاؤه حول تكاثر الخلايا البروستاتية ونسبة موتها في قطع من البروستاتا استئصلت من رجال عولجوا بعشبة الصو بمليتو او بدونها لمدة 3 اشهر تبين ان التوازن المراقب في البروستاتا الطبيعية غير المعالجة بالعشبة ين التكاثر وموت الخلايا المبرمج تبدل الى زيادة موت تلك الخلايا بعد تعرضها للمعالجة بتلك العشبة مما يشير الى قدرتها على تسهيل برنامج الموت الطبيعي لها وتخفيف درجة تكاثرها. وعلاوة على ذلك فقد اظهرت دراسات اخرى فعاليتها في الحد من تأثير عوامل النمو مثل الفا «ث ج اف » و« أي ج ه »وغيرها التي تلعب دوراً هاماً في آلية تضخم البروستاتا الحميد. فالخلاصة ان استعمال الاعشاب وأبرزها الصو بلميتو او «سيرنوا ريبنس» منتشر عالمياً وخصوصاً في اوروبا والولاياتالمتحدة لتخفيف اعراض تضخم البروستاتا الحميد التي تشمل الصعوبة في التبول مع صعوبة تفريغ المثانة وتقطيع البول واللالحاح والتكرار البولي ليلاً ونهاراً وتقاطر البول بعد الانتهاء من التبويل واحياناً السلس البولي وغيرها. وقد دلت بعض الاحصاءات في الولاياتالمتحدة ان حوالي 05٪ الى 09٪ من الرجال المصابين بهذه الاعراض المزعجة يلجؤون اليها. وهنالك حوالي 001 عشبة تستعمل افرادياً او مجموعة لمعالجة تلك الحالة وأهمها الصو بلميتو و«بيجيوم افريكانوم» او «الثادينان» مع نتائج متفاوتة ولكنها مشجعة. وكما شرحناه سابقاً فإن مفعول الصو بلمتو يقوم على عدة آليات ابرزها تثبيطه لانزيمات 1 و 2 الفا ريدكثاز ومنعه ترابط الهرمون الذكري الهيدروتستو ستيرون بمستقبلات الاندروجين وتثبيطه لمستقبلات الهرمونات الانثوية داخل الخلايا البروستاتية وتعديل تضخم البروستاتا تحت تأثير هرمون الحليب (البرولكيتن) علاوة على مفعوله المضاد للالتهاب بواسطة تأثيره السلبي على بعض الانزيمات النشيطة في تكوين المواد الالتهابية وقدرته على تسهيل موت الخلايا السرطانية المبرمج ووضع حد لتكاثرها. ولكن هل تلك الصفات المميزة لتلك العشبة كما سجلتها الابحاث تنطبق على الحالات السريرية او انها لا تكون إلا نظريات وحسب تستدعي البرهان الكلينيكي لتأكيد فعاليتها وسلامتها؟. إليكم الآن حصيلة الدراسات العالمية حول هذه النقطة الهامة. ففي مقالة نشرت في المجلة الدولية البريطانية لجراحة المسالك البولية والتناسلية باشتراك اخصائيين من ايطاليا واسكتلندا والولاياتالمتحدة شملت 14 دراسة سريرية على 0824 مريض مصاب بتضخم البروستاتا الحميد مع اعراضه البولية المزعجة عولجوا بالصو بلميتو (برميكسون) او عقاقير اخرى مثل «الفينستيرايد» او «تمسولوسين» او «براذوسين» او عشبة «بيجيوم افريكانوم» (ثادينام) او الحبوب الكاذبة اعطت النتائج الآتية: 1- استعمال البرميكسون ادى الى تحسين الاعراض البولية بنسبة 87,4 نقطة في التسجيل الدولي للاعراض البولية IPSS المكون من عدة اسئلة تطرح على المريض حول تلك الاعراض وشدتها وتجمع حصيلة الاجابات على كل سؤال لتقيم حدتها ومدى ازعاجها للمريض وتأثيرها على جودة حياته وتقاس من صفر الى 03 حسب مجموع كل تلك العلامات. 2- زيادة سرعة جريان البول مع استعمال البرميكسون بمعدل 22,2 ميلي ليتر بالثانية. 3- انخفاض عدد التبول الليلي بنسبة 10,1 مرة. وتلك النتائج مهمة لأنها ناتجة عن 41 دراسة علمية عالمية احترمت القواعد الاساسية للابحاث الطبية وشملت عدداً كبيراً من المرضى الذين عولجوا بطريقة عشوائية وعمياء بعشبة «البرميكسون» او بالحبوب الكاذبة او بالعقاقير المعترف بها في معالجة الاعراض البولية الناتجة عن تضخم البروستاتا الحميد وقد برهنت فعالية تلك العشبة في تخفيف تلك الاعراض وزيادة سرعة جريان البول وتقليل التبول الليلي. ولكننا نحتاج الى دراسات عالمية اضافية لاثبات تلك النتائج وتقييم سلامة هذه العشبة وخلوها من الاعراض الجانبية الخطيرة. فالخلاصة ان عشبة «السرينوا ريبنس» او «الصو بلميتو» (برميكسون) قد تكون ذات فعالية عالية في معالجة الاعراض البولية المزعجة الناتجة عن تضخم البروستاتا الحميد كما اكدته الدراسات السريرية الدولية وبناء على الاختبارات المخبرية التي برهنت آليتها الفيزيولوجية بالنسبة الى تثبيطها للانزيمات المسؤولة عن ارتفاع الهرمون الذكري النشيط «ديهيدروتيستو ستيرون» داخل الخلايا البروستاتية ومنعها ترابط هذا الهرمون بمستقبلات الاندروجين وتثبيطها مستقبلات الهرمونات الانثوية وهرمون الحليب (البرولكتين) وتأثيرها على الانزيمات المولدة للخلايا الالتهابية وقدرتها على تنشيط عملية الموت المبرمج تلك الخلايا السرطانية ومنع تكاثرها. ولكنه لابد من دراسات علمية عالمية اضافية لاثبات فعاليتها وسلامتها قبل التأكد من قيمتها الطبية في معالجة تضخم البروستاتا الحميد وامكانية استعمالها سوية مع عقاقير اخرى فعالة في معالجة تلك الحالات.