لكي نستطيع معرفة الاصول المستقاة منها قوانين استقدام العمالة في دول الخليج سنحاول استعراض تطور تشريعات العمل في الدول العربية عامة في محاولة لكشف الآلية التي بها امكن استقدام العمالة وبها ايضاً اضحت بهذه الضخامة وصارت لها هذه الكيفية. الصناعات اليدوية الصغيرة كانت تسود معظم الدول العربية حتى الحرب العالمية الأولى، وكانت علاقات العمل تخضع لنظام الطوائف الذي كان يعم المدن في ذلك الوقت، ثم بدأت الصناعات الآلية تتسرب شيئاً فشيئاً وتنمو باتجاه تركيز الصناعات في المدن وتضخم حجم المؤسسات الصناعية وإعداد المشتغلين في كل مؤسسة من هذه المؤسسات، وقد اثر هذا التطور الصناعي في الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة، ومع زيادة عدد العمال بدأت تخرج الى الوجود الحركة النقابية، وبالتالي كان على الدول العربية ان تهتم بمعالجة المسائل العمالية فأصدرت القوانين المختلفة وأنشأت الأجهزة اللازمة للإشراف على هذه القوانين وتنفيذها. وقد كان التشريع يسير دائماً خلف التطور الاقتصادي والاجتماعي، فالدول التي كانت اسبق من غيرها في الأخذ بسبل الصناعة الآلية الحديثة هي التي تقدمت غيرها في استصدار قوانين خاصة بالعمل، وحينما كان هذا الاتجاه يمتد نحو الصناعات الآلية ويتمخض عن انشاء المصانع الكبيرة وظهور المراكز الصناعية النامية.. كانت تتضح الحاجة الى ادخال قوانين للعمل. ونلمس هذا بوضوح من التطور الاقتصادي للدول العربية، وفي تواريخ استصدار كل منها لتشريعاتها العمالية فقد كانت مصر من أوائل الدول العربية التي اقدمت على سن تشريعات العمل، وذلك لأنها كانت اسبق الدول العربية الى الأخذ بسبل الصناعة الآلية الحديثة، ثم ظهرت تشريعات العمل في العراق وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب حين اخذت هذه الدول سبيلها الى الصناعة وحين اكتشف البترول وامتدت بذلك الصناعة الى المملكة العربية السعودية ظهرت بها التشريعات العمالية سنة 1947، كما ان الأردن بعد ان تم ضم بعض مناطق فلسطين اليه بما فيها من مصانع وتجارة اصبحت بحاجة الى قوانين عمالية ثم لجأت ليبيا الى خبراء مكتب العمل الدولي لإعداد قانون عمالي لها. المواصلات الحديثة والاتصال الخارجي بالعالم كان له اثره في النواحي العمالية والاجتماعية، ومن ثم اخذت تلك الدول بأسباب التجديد والتحديث وإدخال التشريعات المنظمة للعمل ورعاية العمال. كما ان اغلبية هذه الدول قد انضمت الى هيئة العمل الدولية وأخذت تشترك معها في المؤتمرات السنوية وعملت على التصديق على كثير من الاتفاقيات التي تصدرها بشأن مستويات العمل. وقد اهتمت جامعة الدول العربية بتوحيد قوانين العمل العربية ثم واصل وزراء العمل جهودهم في ذلك، وقد نص ميثاق العمل العربي على ان تعمل الدول العربية على بلوغ مستويات مماثلة في مجال تشريعات العمل. وبالتالي يمكن تحديد اسباب تدخل المشروع العربي في شؤون العمل الى: أ - عامل اقتصادي ويتخلص في قيام صناعات كبيرة وانتشارها على مر الأيام مما ترتب عليه ظهور مشكلات العمل التي الزمت المشروع بالتدخل لحلها بطريقة تضمن مسايرة النهضة الصناعية. ب - عامل اجتماعي ويعتبر نتاجاً للعمل الاقتصادي وهو ازدياد اهمية الطبقة العاملة نتيجة لانتشار الصناعة التي ادت الى تكتل الصناعة والعمال في مدن ومراكز صناعية وتوثيق روابط الاتحاد بينهم وتكوين نقابات للعمال اخذت تدافع عن مصالحهم وتطالب بتحسين احوالهم. ج - عامل سياسي ويرجع الى استقلال معظم الدول العربية، وبذلك امتلك المشروع العربي سيادته في سن التشريعات، يضاف الى ذلك نظام الأخذ بالنظام النيابي والتزام النواب امام القاعدة العريضة من الناخبين بالعمل على النهوض بأحوالهم الاقتصادية والاجتماعية ومطالبة هؤلاء النواب الحكومات المختلفة بتوجيه اهتماماتها نحو رعاية العمال. د - عامل خارجي يقوم على ارتقاء تشريع العمل في الدول المتقدمة ومحاولة الدول العربية الاسترشاد به فضلاً عن اشتراكها في المجتمعات الدولية، وخاصة هيئة العمل الدولية مما حفز الحكومات العربية على السير في ركب التقدم واتباع اتفاقيات العمل الدولية في تشريعاتها القومية. وبالرغم من هذه العوامل فقد، كانت هناك عوامل مضادة تحد من تقدم هذه التشريعات مثل: @ درجة التصنيع ومدى تقدمه، فالمجتمع الزراعي لا تزال الزراعة فيه والصناعة في دور النشوء تتمثل في بعض المصانع والورش الصغيرة، تكون علاقات العمل فيه محدودة النطاق ويصبح من المتعذر سن تشريعات العمل المتقدمة فيه لما تفرضه من تكاليف مختلفة لاقبل للصناعة الناشئة بتحملها. @ المستوى الثقافي والاجتماعي للبلاد ففي المجتمع الجامد الذي تنتشر فيه الأمية ويتمسك بالعادات والتقاليد البالية لا يميل الى الأخذ بأسباب التقدم والتطور. ومن ثم لا يشعر بالحاجة الى تشريع العمل، حيث انه تشريع تقدمي بطبيعته، اما المجتمع الذي يرتقي فيه المستوى الثقافي والاجتماعي ويتجه نحو التجديد والتقدم فإنه يهتم بسن وتطوير تشريعات العمل لتلبي حاجات خاصة به. @ مستوى الكفاية الإنتاجية ولهذا المستوى أثر كبير على مصالح المشتركين في الإنتاج فلا يمكن للعاملين الحصول على اكبر قدر من المزايا الا في الحدود التي يتيحها مستوى هذا الإنتاج بما يحصل عليه العامل من مكاسب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يقدمه من جهد وعمل منتج. وإذا لاحظنا المرجعية الأساسية لتشريعات العمل العربية سنجدها المصادر الآتية: @ تشريعات العمل التي سبق ان اصدرتها بعض الدول العربية. @ الاتفاقيات التي اصدرتها منظمة العمل الدولية. ولذلك يتضح وجود حد ادنى من مستويات العمل لدى اغلبية الدول العربية. *عضو المجلس البلدي بمنطقة جازان