تتواصل مكتبة الحرم المكي الشريف مع روادها منذ مئات السنين حيث تتفاعل معهم بما توفره لهم من أوعية معلومات وبأشكال مختلفة وبما تقدمه لهم طيلة ايام الأسبوع وعلى فترتين صباحية ومسائية وبخدمات متنوعة تتواكب مع المستجدات الحديثة مما جعلها ترقى لأن تصبح احد أهم المكتبات في العالم واقتران اسمها بأطهر البقاع وذلك بما تقدمه من خدمات للباحثين والقراء وطالبي العلم وللزوار والمعتمرين وقاصدي بيت الله الحرام. ولم تغفل المكتبة العنصر النسائي فلهن نصيبهن اسوة بالرجال حيث يوجد بالمكتبة قسم للنساء يقوم بخدمة الزائرات والباحثات على فترتين صباحية ومسائية.. كما خصصت المكتبة قسماً للتزويد لبناء وتنمية المجموعات. ومن الصعوبة بمكان معرفة نشأة هذه المكتبة وبدايتها الحقيقية فهناك بعض الدلائل التي يمكن من خلالها معرفة تاريخ نشأتها على وجه التقريب لا التحديد الدقيق فقد ارتبطت مكتبة الحرم المكي الشريف بوجود المصاحف والكتب الدينية وأن وجودها في المسجد الحرام قديم قدم الاسلام ولذا يمكن القول ان تأسيسها ارتبط بصفة عامة بمجالس الفتيا والذكر التي كان الصحابة والتابعون يعقدونها في المسجد الحرام وان نتائج تلك المجالس نتج عنها هذه المكتبة مع ان كتب التاريخ لم تذكر وجود مكتبة داخل المسجد الحرام الا انه يستنتج وجودها فقدسية المكان كانت حافزاً لخلفاء المسلمين وحكامهم وموسريهم ومؤلفيهم التقرب بوقف المصاحف والكتب وحفظها اما في دواليب داخل المسجد الحرام او بالمدارس المجاورة او الأربطة المجاورة كما نجد ان غالبية المؤرخين يتفقون على ان نواة مكتبة الحرم المكي الشريف كانت موجودة في بداية الخلافة العباسية زمن المهدي العباسي عام 160ه وانه كانت توجد قبتان انشأهما الخليفة محمد المهدي بن ابي جعفر المنصور احدهما للسقاية والأخرى للمحفوظات سميت قبة بيت المحفوظات كانت تحفظ بها المصاحف وبعض الكتب الدينية. وهناك شواهد كثيرة تؤكد وجود تلك الكتب في المسجد الحرام فنجد كتب التاريخ قد أوردت ان الأمير شرف الدين انشأ مكتبة عام 367ه وكذلك ما ورد في كتاب الازرقي من ان سيل عام 417ه دخل المسجد الحرام ووصل الى خزائن الكتب واتلف منها الشيء الكثير كما تأسست مكتبات وقفية يبدو أنها تهتم بالدرجة الأولى بمصنفات أهل المذهب المالكي وكذلك في عام 588ه اوقفت مجموعة محمد بن الفتوح المكناس امام المالكية وكان الشيخ ثابت ابو الفتوح الزمزمي قيماً على الكتب الموجودة بالحرم عام 887م كما اورده الحضراوي في نزهة الفكر وفي عام 1262ه أمر السلطان العثماني بإصلاح القبتين وجعل إحداهما مكتبة ويعتبر ذلك بداية لجمع جميع الكتب الموزعة في اطراف الحرم والمساجد المجاورة والأربطة في مكان واحد واطلق عليها (كتبخانةالسليمانية او كتبخانة المجيدية) وتوجد بالمكتبة الى الآن تلك اللوحة. وفي اطلالة عام 1301ه ازيلت تلك القبتان وانتقلت المكتبة الى باب دريبة ثم الى عمائر الصفا عام 1383ه ثم الى المبنى الذي شيدته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله عام 1406ه وفي عام 1412ه وعندما أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله بتوسعة الحرم المكي الشريف أزيل المبنى وانتقلت المكتبة الى مقرها بشارع المنصور ثم انتقلت الى مقرها الجديد بحي العزيزية بمكةالمكرمة ولازالت به حتى الآن. ويعود تسمية مكتبة الحرم المكي الشريف إلى عام 1357ه عند ما أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بتسميتها بهذا الاسم وأمر رحمه الله بتشكيل لجنة من علماء مكةالمكرمة لدراسة أوضاعها وتنظيمها بما يتفق ومكانتها وقد نمت مجموعاتها بما أهدي إليها من مطبوعاته رحمه الله وبما ضم إليها من المكتبات الخاصة والتي يزيد عددها عن أربعين مكتبة وكانت المكتبة تتبع مديرية المعارف العامة في وزارة الحج والأوقاف ادارياً حتى عام 1385ه حيث أصبحت تتبع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي التي توليها كل الرعاية والاهتمام مما مكنها وما زال يمكنها من أخذ مكانتها لتواكب وصيفاتها من المكتبات ومراكز المعلومات في أنحاء المملكة. وقد تم توسعة مكتبة الحرم المكي الشريف وأصبحت تضم العديد من الأقسام ومنها قسم الخدمة المكتبية والذي يعنى باستقبال المطالعين على اختلاف مستوياتهم وجنسياتهم ويقدم الخدمة لهم وتزويدهم بما يحتاجون إليه من كتب ومراجع ومساعدتهم في الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها من تلك الكتب والتي يبلغ مجموعها أكثر من 100ألف عنوان وقسم المخطوطات ويقدم خدماته للباحثين والمحققين ومساعدتهم في الوصول إلى المخطوطة التي يريدونها وتخدم مجالهم ويضم القسم 6523مخطوطة أصلية و 358مخطوطاً غير عربي و 2314مخطوطاً مصوراً ومجموعة من الرسائل العلمية وفهارس ومخطوطات المكتبات العربية والعالمية وقسم الدوريات ويقوم بعرض الصحف والمجلات المحلية والعربية الحديثة والقديمة على المطالعين والزوار كما يقوم بحفظ نسختين منها للمكتبة وتجليد نسخة منها للحفظ ويربو عدد العناوين به إلى قرابة ألف عنوان. كما تضم المكتبة مكتبة صوتية تقوم بسجيل الأشرطة للزوار والمطالعين في المواعظ والخطب والدروس التي تلقى في المسجد الحرام والتي يربوعددها على 80ألف شريط كما يوجد بها قسم الميكروفلم والذي يقوم بتمكين الزوار والمطالعين من مشاهدة الأفلام الخاصة بالمخطوطات والصحف القديمة على أجهزة القراءة الموجودة في القسم ويضم اكثر من 5671فيلماً ويوجد بالمكتبة كذلك جناح الحرمين الشريفين ويقوم بعرض كل ماله علاقة بالحرمين الشريفين من صور قديمة او حديثة وخرائط وكتب ومخطوطات امام المطالعين والزوار. ويوجد بمكتبة الحرم المكي الشريف مكتبة الكترونية للقيام بتمكين رواد المكتبة من الاطلاع على أمهات الكتب المحفوظة على (السي دي) وذلك بهدف مواكبة المستجدات وتقديم خدمة سريعة لهم. وتقتني مكتبة الحرم المكي الشريف العديد من النوادر من مخطوطات ودوريات فهي غنية بمقتنياتها الدينية والعلمية والمرجعية ويوجد بها مخطوط لأقدم المصاحف وهو مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ومن المخطوطات النادرة الموجودة بها على سبيل المثال لا الحصر الغيلانيات لمحمد بن محمد بن ابراهيم بن غيلان البزار وهو أقدم مخطوط في المكتبة ويعود تاريخ نسخه الى اوائل القرن الخامس الهجري وهو احد عشر جزءا في مجلد واحد. الفروسية والمناصب الحربية لنجم الدين حسين بن الرماح المتوفي عام 780هجرية ومسند الموطأ للغافقي المتوفي عام 381هجرية ويعود تاريخ نسخه الى عام 693هجرية ومجموعة البحرين في زوائد المعجمين لابن حجر الهيتمي المتوفي عام 807هجرية. كما تضم المكتبة مجموعة من المطبوعات الحجرية النادرة أهمها ديوان بن النبيه عام 1280هجرية وكتاب قصيدة كاظم الرشتي طبع عام 1269هجرية وتاريخ الخميس في أحوال انفس النفيس لمحمد الديار بكري طبع عام 1283هجرية والباكورة العربية في شرح متن الاجرومية لمحمد بن اسماعيل الانصاري طبع عام 1288هجرية والانيس المفيد للطالب المستفيد طبع عام 1296هجرية. كما تضم المكتبة عدداً من الدوريات السعودية النادرة أهمها بريد الحجاز من السنة الأولى العدد الأول عام 1343هجرية (فلميا) وصوت الحجاز من السنة الأولى العدد الأول عام 1350هجرية (فلميا) والاذاعة من السنة الأولى العدد الأول عام 1357هجرية ومن الصحف والمجلات العربية التي تضمها المكتبة المقتطف من السنة الأولى عام 1870م والضياء من السنة الاولى عام 1898م والمنار من السنة الأولى عام 1315هجرية والمقتبس من السنة الأولى عام 1324هجرية ونوادر الاسلام من السنة الاولى عام 1349هجرية.