سمية الأبي تزوجت في سن صغير، وخلفت فتاتين، وانتهى بها الحال إلى الطلاق، انقطعت عن الدراسة بسبب الزواج المبكر، وبعد الطلاق عادت إلى المدرسة مع ابنتيها، هي الآن في الصف الثالث الثانوي، وابنتاها في الصف الثالث أساسي. وتقول: "تزوجت وأنا عمري خمسة عشر عاما، وأنا في أول إعدادي، وقعدت مع زوجي ثلاث سنين، طبعا عانيت كثيرا، لأني تزوجت وأنا صغيرة جدا، وخلفت بنات، وإلى حد الآن، وأنا أعاني من هذه المشكلة، عندي بنتان، هما الآن في ثالث ابتدائي، وأول ما فشلت في الحياة الزوجية، على طول رجعت للدراسة، لأنني أحسست أن أهلي ظلموني كثير". وتضيف: "الزواج المبكر فعلا يحطم البنت، يحطم كل شيء في كيانها، ومستقبلها، وصحتها." حكاية مليئة بالتراجيديا، وقسوة الأهل، مأساة متعددة الفصول، تعيشها صباح اليتيمة الأبوين منذ سن الخامسة عشرة حتى اليوم، تختزل في صفحات تجربتها مشاهد قاتمة عن الزواج المبكر والنتائج التي تؤول إليها معظم الزيجات من هذا النوع، وتعد تجربة التلميذة صباح مجرد مثال لعشرات الآلاف من حالات الزواج المبكر في مجتمع ينظر إلى الفتاة من خلال ثقافة تقليدية ترى في زواجها أساس وجودها قبل أن يكتمل نموها. يؤكد الباحثون والأخصائيون الاجتماعيون أن معدلات الزواج المبكر في اليمن تراجعت بنسب قليلة في المدن والمجتمعات الحضرية لكنها ما تزال مرتفعة في القرى والأرياف حيث يقل التحاق الفتيات في التعليم بحكم الثقافة السائدة، ونظرة المجتمع إلى الفتاة وقيمتها عند الأبوين، فضلا عن الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية التي تدفع بعض الأسر إلى تزويج بناتها في سن مبكر للتخفيف من أعباء العيش والتزامات الحياة. وبرغم الجهود المبذولة للتوعية بمخاطر هذا الزواج على صحة الزوجين والأبناء إلا أن ظاهرة الزواج المبكر لا تزال ملحوظة وان تفاوتت من منطقة لأخرى. والزواج المبكر خاصة في الأرياف وبالرغم من عدم وجود نظرية منهجية يستند إليها يكاد يكون شكلاً مفروضاً نتيجة الأعراف والتقاليد المجتمعية الموروثة ويحظى بتأييد اجتماعي كبير في معظم المناطق الريفية، وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن 48% من الفتيات اليمنيات يتزوجن بين سن 10- 14عاما، وفي مثل هذه الأحوال فإن الفتاة تحرم من الحصول على كثير من حقوقها في التعليم والتمتع بالحقوق الزوجية الكاملة . وربطت دراسة علمية تحديد سن الزواج بالنسبة للأولاد في اليمن بالقدرة المادية على دفع المهر، وهو ما أكده نحو (532) شاباً وشابة من بين (1495) من أبناء محافظتي الحديدة وحضرموت شملتهم الدراسة، ويمثلون الفئات العمرية أقل وأكبر من 18سنة. واكد المشاركون ان المعتقدات والاتجاهات والأعراف الاجتماعية تقع ضمن ابرز الأسباب التي تقف وراء تفشي ظاهرة الزواج المبكر، وخصوصا زواج الفتاة، مشيرين الى ان ثمة أسباب اخرى تلعب دورا في ذلك كخوف الفتاة من العنوسة، او وجود عرض مادي مغر من رجل ثري، او إهمال الفتاة من قبل الأسرة الأمر الذي يدفعها للقبول بالزواج مبكرا. والبعض يرون أن توفير المهر وتيسر الأوضاع الاقتصادية للأسرة يمثل السبب الأول الذي يدفع الأسر إلى تزويج أبنائها الذكور في سن مبكرة، معتبرين أن الفقر يساهم في رفع متوسط سن الزواج للأولاد الذكور، وهو ما يدفع الأسر الفقيرة إلى الضغط على أبنائها الذكور للبدء بالعمل قبل تزويجهم. وتزداد ظاهرة انتشار الزواج المبكر بين أوساط النساء، وتصل إلى ما نسبته 1ر 52%، كما تبين الدراسة أن هناك اختلافا في سن الزواج حسب المنطقة الجغرافية وعمر الزواج من ( 10- 24سنة) ومن (14-70) سنه. وتقول الدكتورة نجاة محمد خليل الأستاذ المساعد بكلية علم النفس بجامعة صنعاء.. ان متوسط العمر عند الزواج الأول للنساء في اليمن يتراوح حالياً من 9- 15سنة وهو مؤشر يوضح بجلاء مدى انتشار الظاهرة في المجتمع اليمني. واستنادا إلى إحصائيات النوع الاجتماعي تؤكد الدكتورة خليل ان نسبة المتزوجات في سن 10- 19سنة تصل الى 75% من إجمالي النساء المتزوجات.. ونسبة المتزوجات دون سن 15سنة تصل إلى 48% من إجمالي النساء في الفئة العمرية من 15- 19سنة. وقالت عندما نقول اقل من 15عاما فإننا نتوقع أن يبدأ الزواج من 10- 11عاما وقد اثبت المسح القاعدي للصحة الإنجابية عام 2000ان 24% من النساء تزوجن بين 10- 14عاما.