تبقى الفكرة دائماً وأبداً ملكاً لصاحبها. فعلى مر العصور، لا يزال الإمام أحمد بن حنبل مؤلف (المسند)، وبل مخترع (الهاتف)، ولوناردو دافينشي راسم لوحة(الجوكوندا)، ودملر بينز مالك العلامة التجارية المشهورة (مرسيدس)، وأم كلثوم مؤدية رائعة (الأطلال)، وأبو الطيب المتنبي قائل البيت الخالد : (أعز مكان في الدنيا سرج سابح... وخير جليس في الزمان كتاب). وحماية حقوق الملكية الفكرية، انتقلت من ضمير الجماعة، والقوانين الوطنية للدول، إلى تشريع عالمي تبنته منظمة التجارة العالمية، وشمل فروع الملكية الفكرية كلها، كالاختراعات، والعلامات التجارية، وحقوق المؤلف، والحقوق المجاورة لحق المؤلف، وبرامج الحاسب الآلي، والأسرار التجارية، والمؤشرات الجغرافية، والأصناف النباتية، والرسوم والنماذج الصناعية، والمصنفات السمعية والبصرية. وقد التزمت المملكة بهذا النظام، وأدرجته ضمن تشريعاتها الداخلية، وكان ذلك من متطلبات انضمامها لعضوية منظمة التجارة العالمية. ورغم ذلك، فهي لا تخلو من الانتقاد، كالتوصية التي صدرت مؤخراً عن اتحاد الملكية الفكرية بضم المملكة إلى قائمة المراقبة القصوى (Watch list) في التقرير الخاص الذي تصدره ممثلية التجارة الأمريكية سنوياً (Special 301) وفقاً لما نشر في الصحف مؤخراً. وبصرف النظر عن كون التقرير منصفاً أو متحيزاً، فحماية حقوق الملكية الفكرية هي مطلب سعودي رسمي وشعبي قبل أن تصبح مطلبا دولياً. فالغش التجاري، وتقليد العلامات التجارية، وترويج البرامج المقلدة، من أبرز مظاهر انتهاك حقوق الملكية الفكرية التي يعاني منها السوق السعودي، وتؤثر على سمعته الخارجية. والمؤسف أن أغلب من يمارس تلك الأعمال داخل المملكة هم من غير السعوديين، أو هي تجارة وافدة تأتي عبر الحدود وتسوق داخل المملكة. هذه المظاهر تسيء للجهود التي تبذلها الجهات المختصة نحو تحسين مناخ حماية الملكية الفكرية بالمملكة. ويبدو أن المشكلة تتمثل في تحمل وزارة الثقافة والإعلام العبء الأكبر لمعالجتها بعد أن أصبحت هي الجهاز التنفيذي والقضائي المعني بهذا الأمر دون أن يكون لديها الموارد البشرية الكافية. كذلك الوضع بالنسبة لوزارة التجارة والصناعة وموقفها من مكافحة الغش التجاري وتقليد العلامات التجارية المتسم بالقصور إلى درجة العجز مع اتساع دائرة الغش والتقليد. ونعتقد أن أفضل الحلول لمعالجة هذه القضايا تكمن في الاستعانة بقطاع الأمن عن طريق تشكيل شعبة لمكافحة الجرائم الاقتصادية لتساهم في مساعدة المجتمع للتخلص من هذه الآفة. فالمروجون للبرامج المقلدة من العمالة الآسيوية الذين يتواجدون باستمرار حول محيط سوق الكمبيوتر في قلب العاصمة، والمسوقون لبضائع تحمل علامات تجارية مقلدة، لا يكترثون في الدوريات الأمنية المرابطة بجوارهم لعلمهم أنها غير مختصة في ملاحقتهم. وإنما المعني بمكافحتهم لجنة مدنية لا بد أن يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص. وكذلك، تفعيل دور الجمارك السعودية بتطبيق لائحة التدابير الحدودية المشددة لحماية حقوق الملكية الفكرية المقرة من قبل منظمة التجارة العالمية، ويجب أن يتقبل الجميع تلك الإجراءات بصدر رحب، بما فيهم الأشقاء من دول الجوار. أما على مستوى القضاء، فإنفاذ الحماية لن يتحقق على الوجه المطلوب إلا إذا نقل هذا الاختصاص من اللجان المشكلة في الجهاز التنفيذي إلى المحاكم التجارية المتخصصة المرتقب إنشاؤها في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - لتطوير القضاء. @ متخصص في قانون التجارة الدولية