خلافا لما كانت عمليات استطلاع الرأي تتوقعه بشأن نتائج الانتخابات البلدية الفرنسية التي جرت دورتها الأولى يوم الأحد الماضي وتجري دورتها الثانية يوم الأحد المقبل، لم يسجل اليسار انطلاقا من نتائج الدورة الأولى اختراقا كبيرا ولم يمن اليمين بفشل ذريع. بل إن نتائج هذه الدورة أكدت تقدم اليسار من جهة ولا سيما الحزب الاشتراكي وثبات اليمين من جهة أخرى أمام "التسونامي" الذي كان متوقعا فتحول إلى مجرد بطاقة صفراء موجهة له من قبل الحكم أي الناخبين. وصحيح أن اليسار قد استطاع افتكاك قرابة عشر مدن من اليمين منذ الدورة الأولى وفي مقدمتها مدينة روون. ولكن لاننس أن اليمين كان قد افتك من اليسار في أعقاب الانتخابات البلدية الماضية قرابة ثلاثين مدينة كان فرانسوا هولاند أمين الحزب الاشتراكي الأول يرغب في استرجاعها عقب الانتخابات الحالية التي ستجري دورتها الثانية يوم الأحد المقبل. ولاشك أن احتفاظ الحزب الاشتراكي بمدينة ليون منذ الدورة الأولى يعد في حد ذاته نجاحا له ولعمدة المدينة بالتحديد. كما تبدو حظوظ اليسار كبيرة جدا في الاحتفاظ بعدة مدن أخرى منها باريس وليل . وما يدل أيضا على تقدم اليسار وبخاصة الحزب الاشتراكي في أعقاب الدورة الأولى أن مدنا كبيرة أخرى كان يحكمها اليمين استطاع مرشحو اليسار الحصول فيها على نسب عالية من أصوات الناخبين أهلتهم إلى البقاء إلى الدورة الثانية . وهو حال مدينة مرسيليا وتولوز مثلا. أما بشأن الحزب الحاكم فهو يشعر هو الآخر غداة الدورة الأولى ببعض الارتياح على الأقل لأنه استطاع الثبات أكثر مما كان متوقعا أمام ماسمي "الموجة الوردية" في إشارة إلى اللون الوردي الذي يرمز في فرنسا إلى الحزب الاشتراكي. فقد استطاع أربعة عشر وزيرا من الوزراء الثلاثة والعشرين الذين ترشحوا إلى هذه الانتخابات الفوز في أعقاب الدورة الأولى . واستطاع آلان جوبيه رئيس الوزراء الأسبق الانتصار منذ الدورة الأولى في مدينة بوردو إحدى مدن فرنسا الكبيرة وذلك بالحصول على قرابة سبعة وخمسين بالمائة من أصوات الناخبين. الحكم ولوبين والعرب من دروس الانتخابات البلدية الفرنسية في أعقاب الدورة الأولى أيضا أن حزب "الموديم" (الحركة الديموقراطية) المنتمي إلى وسط اليمين والذي أنشأه فرانسوا بايرو عقب الانتخابات الرئاسية الماضية لم يحقق الاختراق الذي كان ينتظره ولكنه يظل الحكم بالنسبة إلى الدورة الثانية في مايخص مدنا كثيرة بين مرشحي الحزب الحاكم من جهة واليسار المعارض من جهة أخرى. وإذا كانت سيغولين روايال مرشحة اليسار إلى الانتخابات الرئاسية الماضية قد دعت الحزب الاشتراكي إلى التحالف مع بايرو خلال الدورة الثانية فإن هذا الأخير يرغب في أن يحصل مثل هذا التحالف وفق مصالح حزبه المحلية حالة بحالة لا وفق مايريده الحزب الاشتراكي. وإذا كان اليمين المتطرف قد نما في السنوات الخمس والعشرين الماضية انطلاقا من الانتخابات المحلية وبخاصة الانتخابات البلدية فإنه أكد من خلال نتائج انتخابات الأحد الماضي أنه لايزال في حالة انحسار وغير قادر على التأثير في رسم الخارطة السياسية المحلية خلافا لما كان عليه الأمر من قبل لعدة أسباب من بينها أن اليمين التقليدي أخذ منه كثيرا من شعاراته ومنها تلك التي يحمل فيها بشكل أو بآخر على المهاجرين . ومع ذلك فلابد من التأكيد هنا على أن اليمين التقليدي وبخاصة الحزب الحاكم اليوم في فرنسا هو الذي فتح المجال أكثر من غيره هذه المرة لعدد من المرشحين من أصل عربي وإفريقي حتى يخوضوا الانتخابات باسمه . وينتظر أن تكون رشيدة داتي وزيرة العدل الحالية أول شخصية من الفرنسيين من أصل عربي تتوصل إلى الحصول على لقب عمدة عبر صناديق الاقتراع . ومن المنتظر أن يحصل ذلك يوم الأحد المقبل في دائرة باريس السابعة حيث حصلت رشيدة على المرتبة الأولى ضمن المرشحين لهذه الدائرة يوم الأحد المقبل . بقيت الإشارة إلى أن جان ساركوزي نجل الرئيس الفرنسي قد استطاع الفوز بمقعد مستشار في الانتخابات المحلية الجزئية المتصلة بمجالس الأقاليم. وهي انتخابات تتم في نفس الوقت مع الانتخابات البلدية.