لا تخلو أفلام كريستوفر نولان من المفاجآت، كما لا تخلو من حس بصري وفني عال، فهذا العبقري الشاب الذي يبدو أنه قطع عهداً سرياً مع جمهوره على ألا يقدم لهم إلا أفلاماً ذات طابع خاص ومختلف عما يقدمه الآخرون، ويتركهم عند نهاية كل فيلم من أفلامه يتساءلون في حيرة ما الذي يجعل من فيلم ذي قصة عادية فيلماً استثنائياً؟. فبعدما قدم نولان في سنة 2000فيلمه الناجح (ميمنتو)، الذي جعل أسمه على كل لسان، ووضعه في مكانة متقدمة مع المخرجين الشباب العاملين في هوليوود، قدم إعادة لفيلم نرويجي أنتج في عام 97عنوانه Insomnia يحكي قصة شرطيين من قسم الجرائم الجنائية يسافران إلى قرية صغيرة في شمال النرويج لمساعدة الشرطة المحلية هناك في حل لغز جريمة قتل فتاة شابة. كل هذه الأحداث نشاهدها كما هي في الإعادة التي قدمها كريستوفر نولان لهذا الفيلم في سنة 2002، وحشد لها أسماء كبيرة بحجم آل باتشينو وروبن ويليامز وهيلاري سوانك، لكن المختلف هنا أن القرية التي تقع فيها الأحداث في شمال أمريكا، في مقاطعة لا تغيب عنها الشمس وهذا هو السبب الظاهري الذي يجعل المحقق (الذي يقوم بدوره آل باتشينو) يصاب بالأرق ويتركه عاجزاً عن النوم فضلاً عن السبب الخفي الذي يتفنن نولان في الإمساك به جيداً لتصعيد الغموض والإثارة في الفيلم. نسخة نولان الأمريكية تتسم بالعمق الدرامي والغوص في أعماق النفس البشرية كما كانت النسخة الأصلية للمخرج النرويجي إريك شكولدبيرغ، لكن نولان يتفوق كعادته من الناحية البصرية ويملك أدوات تعبيرية مذهلة كأسلوب الومضات السريعة لمشاهد حساسة ومهمة تتخلل مسار الفيلم. وعودةً إلى سؤال ما الذي يجعل من فيلم ذي قصة عادية فيلماً استثنائياً؟ الجواب هو مخرج مثل كريستوفر نولان، فنان إستثنائي!.