عودة إلى الفنان عبدالعزيز الراشد في أغنية (فرقى جرت لي) التي تعتبر من روائع الشعر الشعبي المعاصر وهي من كلمات الأمير سعود بن محمد الذي يغلب على قصائده الجزالة والمعاني الهادفة في أسلوب خاص ومميز. (فرقى جرت لي) سجلت كاسطوانة في العام 1965م أبان انتشار الاسطوانات كما سجلت في إذاعة البرنامج العام بالرياض في وقت لاحق بعد افتتاح الإذاعة، ووجدت أصداءً رائعة لما فيها من كلمات نابعة من البيئة والتواصل الحسي مع الناس واحتفاظها برونق الأنغام النجدية الخاصة، ودائماً في سياق الكلمات النجدية تجد الروح الشاعرية ملتصقة بتعاليم الدين وبالواقع المعاش. عبدالعزيز الراشد في هذه الأغنية وفي حالته هذه يبين أن الفراق الذي يعانيه ليس كأي فراق بين حبيبين بل هو أشد من كل الحالات التي اشتكى منها سابقوه، وهو يصف ذلك الفراق كما لو أن حبيبته قد فارقت جسدها، أي لا أمل، أما هي فتعيش هذا الواقع مهمومة محزونة، وفراق المحبين إذا كان بهذه الحدة والشدة فكيف للروح بعد ذلك أن تعيش، وهنا تكمن معاناة الشاعر، وفي مثل هذا المذهب لابد للملحن أن يأتي بواقع التجربة الحياتية لصياغة ما يقدمه الشاعر من كلمات موجعة ومحزنة في مذهب الأغنية وهي ليست كغيرها من الأغاني بل افتتحت قوتها وجراءتها في المذهب لتتلاحق سوياً متتالية في التواصل والحس بالكلمة. فرقى جرت لي ماجرت للمحبين فرقى كما روح تفارق جسدها هم وغم وحزن وصدود غالين وشطون حارت فكرتي في عددها هنا يتلمس الشاعر موقفه ليراهن على مقدرة المطرب وصياغة اللحن بنفس القدرات الحوارية في الكلام، وهو يتواصل في إمكانيات الكلمة وغزارة المعاني الشعبية ليقول: (إذا كان الشعر قبلي فإن الشعر والقيمة في كلماتي لا تنتهي)، هذه الكلمات لا تتواصل غنائيا إلا بالإلمام بها وبمعانيها ليكون هناك اتصال حسي منفرّد يقود هذه الأنغام للأداء الغنائي وهو مافعله الفنان الكبير عبدالعزيز الراشد. كني بيوم الحشر عند الموازين في يوم تلهى المرضعة عن ولدها روح تعذب بالهوى بين نارين عقب العذاب أرجي من الله مددها قلائل من يكتبون هذه المعاني والكلمات في غزارتها وتوصيلها بنفس القدرات التي بدأت فيها كمذهب للأغنية، هنا تكون للأجراس الموسيقية أدوار في تفعيل حركتها الغنائية واختيار ما سوف يقدمه المطرب من جمل غنائية لا تبتعد عن وصف هذه الحالات الشعرية المأخوذة من واقع جميل أتى لتكون من فضائله هذه المعاني المميزة، الاتفاق بين القدرة الشعرية والقدرة اللحنية والقراءة الجيدة للمعنى وخلف ما يقوله الشاعر هي بحدّ ذاتها نجومية فارعة، لذا كان تواصلاً حسياً منفرداً من مطرب هذا العمل وملحنه عبدالعزيز الراشد. عساها لي تكفير ماشافت العين عساها أمان عن عماها رمدها ليا جيت أبصبر عنك يا كامل الزين دار العزا منى تجاذب عمدها لا أعرف كيف تكون تلك الأغاني عند سماعها، حين ما ينتاب سامعها شعوراً داخليا يبين الفارق الحسي بين ما نسمعه حالياً وما كان يقدم في الزمن الماضي، أعتقد أنهم يقدمون خصائصهم وتميزهم إن كان في الشعر أو في الطرب، وبالتالي هذه الأغاني قل سماعها حينما بدأ ترويج الأغاني السيئة، بالفعل هي من أوائل الأغاني الذهبية التي مرت على سماء الأغنية السعودية بتواصلها مع روح المجتمع ومناجاة الشاعر لخالقه وتقنين من الملحن والمطرب عبدالعزيز الراشد في قراءة فعلية للواقع، إنه عمل مميز يتصدر ما قدم في تلك السنوات القديمة كأسطوانة ذهبية لا تختفي حتى وإن جاء بعدها الكاسيت والCD..