في ملتقى نظمه برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لفت انتباهي شعار "تمكين المرأة" الذي تصدّر إحدى اللافتات. وعندما استقبلت الحضور للحديث كان أكثر من 80% منهم من النساء، فأكدت حينها على عبارة معاكسة لذلك الشعار وهي "تمكين الرجل"، ربما من باب العنصرية للنوع! والحقيقة أنني مع تمكين المرأة وتخليصها من جور وسطوة الرجل الذي قد يمارس في حقها أبشع التصرفات تحت ستار الدين، والدين من تلك السلوكيات المشينة بريء. وأجزم أن المرأة أقدر على التعبير عن مشكلاتها وتوصيف تطلعاتها بدون وصاية من أحد. هذه المقالة إذاً تناقش تمكيناً من نوع آخر وهو "تمكين الكفاءات" من الرجال والنساء. إن التنمية الكيفية التي كتبت عنها الأسبوع الماضي تتحقق عندما يتاح للكفاءات السعودية الاضطلاع بدور رئيس في التخطيط والتنفيذ والإدارة. وأعني بالكفاءة وضع الشخص المناسب ذكرا أو أنثى في المكان المناسب. وهو شعار جميل، وقد نتفق حوله، وقد نزعم أن هذا هو الحاصل؛ "فالجدارة" هي معيار التوظيف والترقية نظريا، لكن مقياس الجدارة في مؤسساتنا مطاط وعقيم من الناحية العملية. فالشهادات العليا والتقديرات الوظيفية السنوية العالية لا يمكن أن تكون دليلا على "الجدارة" إذا كانت تلك القيادات لم تحدث فرقا يذكر في أداء مؤسساتها. إن "معيار الثقة" الذي نعين على أساسه الكثير من القياديين أثبت فشله؛ فالمسؤول الثقة يحافظ على المال العام، ويؤمن جانبه، وينفذ الأنظمة بحذافيرها وإن كانت خاطئة، ولكنه لا يعمل من أجل المصلحة العامة إذا تعارضت مع بعض مصالحه الشخصية كالبقاء في المنصب. وفي ظني أن الكفاءة يجب أن تُقدم على الثقة في الترشيح، ومتى وجدنا الأكفاء فلن نعدم الثقات بينهم. لقد تخلينا عن معيار الثقة المحلي لنأتي لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا بكفء من خارج الوطن، وفي ذلك تمرد على بوصلة الجغرافيا السياسية الدولية التي كانت دوما تتجه غربا، وتخل عن شرط السعودة في سبيل المصلحة العامة. إن الكفاءة مطلب أساس لإدارة منتجة ومتميزة ومنافسة، وإذا لم تكن متوفرة على الصعيد المحلي فلا بأس من أن تستقطب من الخارج! فلماذا لا نطبق ذلك على بقية مؤسساتنا متى وصلنا إلى قناعة بأنه لا يوجد سعودي كفء لموقع قيادي مهم. الذي أميل إليه أن هناك كفاءات سعودية ولكن معيار الاختيار والبحث عنها مريض ويعاني من حساسية جغرافية تزيده عطبا. ومتى استطعنا أن نضع معايير لتوظيف القيادات في مؤسساتنا الخاصة والعامة بعيدا عن دائرة الثقة التي يصيبها العمى عندما تخرج عن نطاق "الجماعة أو الشلة"، وتخطينا عقدة المرجعية الجغرافية المحلية في البحث عن الأكفاء، فإننا بذلك نضع الشخص المناسب في الموقع المناسب، وحينئذ سيكون لدينا قيادات إدارية تفكر بشكل جماعي وتعاوني، وبيئة اتصال إيجابية، مما يعزز ثقافة العمل البناءة التي تعترف بالفشل وتتعلم منه، على حساب ثقافة العمل الدفاعية التي تعمل في أقفاص منعزلة، وتعتبر الفشل ذنبا لا يغتفر، فتجرم المبادرة والاجتهاد الذي قد يؤدي إلى الخطأ. ليكن "تمكين الكفاءات" شعارا نستثمر فيه النفط لما بعد حقبة النفط. وأتمنى - ريثما نحسم أمرنا باتجاه "تمكين الكفاءات" - أن يكون لمجلس الشورى دور مهم في "مقابلة" المرشحين لمناصب إدارية عليا. يجب ألا يقتصر الأمر على الورق والنقاط والثقة، فإمكانات الشخص وحضوره واستعداده يجب أن تلعب دورا مهما في التعيين والترقية.