لا يقف التيار الإسلامي في الجزائر على نفس المسافة من مسألة تعديل الدستور وتجديد العهدة للرئيس بوتفليقة من نظرائه من المحسوبين على التيار الديمقراطي والوطني الذي تتابعت مختلف أطيافه في إعلان دعمها المطلق لتعديل الدستور دون الاطلاع على مشروع وثيقة التعديل وتزكيتها غير المشروطة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية ثالثة. ويطرح المتتبعون للساحة السياسية الجزائرية التي باتت تنام وتستيقظ على وقع تعديل الدستور وتجديد العهدة وراحت تضبط عقارب ساعة البلاد على الموعد الرئاسي المقبل الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى سنة واحدة (خريف 2009) استفهامات عدة بشأن تأخر الحزب الإسلامي المعتدل "حركة مجتمع السلم" في الالتحاق بموقف شريكيه في الائتلاف الحكومي باعتباره واحداً من الأحزاب الثلاثة التي انضوت العام 2004تحت مظلة ما اصطلح على تسميته ب "قطب التحالف الرئاسي" وتعهدت بدعم برنامج الرئيس بوتفليقة، استفهامات أصبحت ملحة بالأخص بعدما أعلن الرقم الثاني في التحالف زعيم "التجمع الوطني الديمقراطي" احمد أويحي دعمه المفاجئ لترشح بوتفليقة لعهدة ثالثة وهو الذي ظل ينتقد غريمه في التحالف عبد العزيز بلخادم زعيم الحزب الحاكم "حزب جبهة التحرير" ورئيس الحكومة الحالية، ويقول انه يزايد على الرئيس بل اتهمه بمحاولة الانفراد بموضوع التعديل والتجديد دون أن يظهر الرئيس بوتفليقة رغبته في ذلك شخصياً. وتربط تعاليق المراقبين تأخر أبو جرة سلطاني في الإعلان عن موقف حزبه من موضوع التعديل والتجديد بحالة الغليان التي يشهدها بيت الحزب الإسلامي الأول في البلاد بعد حلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ لزعيمها الشيخ عباسي مدني الموجود حالياً بالعاصمة القطرية الدوحة، غليان تأجج داخل الحزب منذ الكشف عن نتائج المحليات الأخيرة التي تدحرج فيها الحزب إلى المرتبة الرابعة ولم يتمكن من الحفاظ على مرتبته الثالثة المعهودة، فضلاً عن الأصوات التي تدفع داخل الحزب باتجاه التصعيد على خلفية عجز أبو جرة سلطاني في بلورة موقف حزبه بعيداً عن تأثير الشركاء داخل قطب التحالف ومضيّه في إمساك العصا من الوسط، لا هو دعّم صراحة تجديد الولاية ولا أعلن معارضته لتعديل الدستور رغم أن قيادات في الحزب لم تخف في تصريحات سابقة أن معترك رئاسيات 2009سابق لأوانه. وتشبه حالة الحزب الإسلامي الأول في البلاد، حالة بقية الأحزاب السياسية التي تحسب على التيار الإسلامي في الجزائر باستثناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي ما يزال رقمها الثاني، علي بلحاج، رغم منعه قانوناً من التعامل مع وسائل الإعلام، يدلي بدلوه في مختلف المستجدات السياسية التي تشهدها البلاد عبر بياناته التي تصل قاعات تحرير ومكاتب الصحافة الأجنبية وعارض صراحة تعديل الدستور والتجديد لبوتفليقة. وتعيش هذه الأحزاب ونعني حركتي "الإصلاح الوطني" و"النهضة" وضعاً سياسياً لا تحسد عليه، وتشكل حركة الإصلاح لوحدها نموذجاً لافتاً لحالة الانتكاسة التي يشهدها التيار الإسلامي المعارض في الجزائر بالأخص بعد الإطاحة بزعيمها السابق الشيخ عبدالله جاب الله عن طريقة حركة تصحيحية لم تفلح في الإبقاء على مكانة الحزب داخل البرلمان كأول قوة سياسية إسلامية داخل البرلمان، حيث تدحرج الحزب من 43مقعداً في استحقاقات 2002إلى 3مقاعد فقط في تشريعيات 2007بقيادة التصحيحي محمد بولحية، ومثله وقع لحركة "النهضة" التي أسسها الشيخ جاب الله أيضاً العام 1989وانشق عنه خصومه وأبعدوه، والتي تقهقرت هي الأخرى من حيث التمثيل ولم تعد تحوز في عهد زعيمها الحالي يزيد بن عائشة الذي خلف حبيب آدمي إثر تعيينه سفيراً فوق العادة للجزائر بالمملكة العربية السعودية سوى على مقعد واحد داخل البرلمان. ولم يعد للأحزاب الإسلامية الجزائرية أمام تراجع شعبيتهم وتقلص وعائهم الانتخابي لعوامل لها صلة بطبيعة النظام في الجزائر وعمليات التطهير التي مارستها السلطة على قوائمهم الانتخابية والصراعات والانشقاقات داخل الأحزاب الإسلامية نفسها، فضلاً عن مخلفات العشرية السوداء التي يتهم فيها الخطاب الإسلامي بتأجيج الفتنة، لم يعد لها سوى اللعب على وتر المماطلة والمناورة بالشكل الذي يوهم الرأي العام بأنها تنتقد السلطة وتعارضها في خياراتها، في حين أنها لا تقوى على ذلك وسرعان ما تهرول هي الأخرى باتجاه التزكية والدعم، إدراكاً منها أن التيار الإسلامي في الجزائر بوضعه الحالي وفي ظل المتغيرات الداخلية والخارجية لا يمكنه العيش دون تنازلات أو تحالفات مع السلطة بالشكل الذي يبقيه تحت الشمس. وراحت تحاليل المتتبعين لملف التيار الإسلامي في الجزائر تربط تماطل الأحزاب الإسلامية في الالتحاق بركب المؤيدين لتعديل الدستور وتجديد العهدة للرئيس بوتفليقة بالاجتماع الأخير الذي جمع في سابقة هي الأولى من نوعها قيادات الأحزاب الإسلامية في الجزائر وهو الاجتماع الذي لفت انتباه مختلف وسائل الإعلام المحلية وحولته إلى قضية الساعة، واستفهمت حول خلفيات انعقاده في مثل هذا الظرف بالذات بل قالت انه يشكل "نواة لتحالف قريب بين الإسلاميين" على خلفية الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، هذا علماً أن الاجتماع الذي احتضنه أحد فنادق العاصمة، تراشقت فيه القيادات الإسلامية (المعتمدة) اللوم والعتاب بشأن غياب ما أسموه ب "التنسيق الإسلامي - الإسلامي" إزاء القضايا المصيرية والمسائل الحيوية والاستراتيجية التي تطرح في البلاد، وتعهدت بمواصلة العمل الجماعي للوصول إلى ما وصف ب "ميثاق أخلاقي وتنظيمي وسياسي" يسهم في تفعيل آليات التقارب الإسلامي- الإسلامي ويعيد الحيوية إلى المشروع الإسلامي المتعثر في الجزائر.