صدر أخيرا عن دار الساقيً ديوان "في قبضة المجرى" للشاعرة مها بنت حليم، وهو ديوان شعري مفعم بالحزن الشفيف، يضع الشاعرة بأقدام ثابتة على عتبات الشعر الذاتي، المتخم بالصورة الشعرية المكثفة، المغلف بالشجن الشعري،الذي نفتقده كثيراً وسط حالة الصخب الإنساني، التي تملأ كل مناحي الحياة بما فيها الفن. تضع الشاعرة عنواناً تفصيلياً يلي عنوان الديوان تقول فيه: "تفاصيل عجز النهر والشجرة والأنثى أمام سطوة الأمكنة"، وهي بذلك تخالف عرف العناوين التفصيلية التي تشرح ما يسبقها، لتضعنا منذ غلاف الديوان في قاموسها الشعري الخاص، وتفتح قوس ديوانها لنسكن فيه إلى أن ننتهي منه تماماً. ربما يشي الإهداء ببعض ما في جعبة الشاعرة عندما تقول: "إلى أبي في أحد أمكنة الغياب، عندما غيبك الموت، التبس عليَ معنى الحياة". وهي لا تأبه بهذا الإفصاح فتقول في إحدى قصائدها: "رداء العبارة لا يستر جرحاً/ ولا يسد رمقاً"، كما أنها ترتدي حكمة الخبراء في سياق شعري، إذ تقول: "الحب في كتاب الحياة/ خطأ إملائي لا تصوبه القلوب". إنها في رحلة ديوانها الذي يمكن اعتباره قصيدة متصلة المعنى، منفصلة الصور والتراكيب الشعرية البديعة، تبحث عنه، عنه فقط، هذا الغائب الذي تناجيه "أمد يدي/ ألمس وجهك وأرتب ابتساماتك"، مطالبة إياه بالعودة "لا تهشم مرآتي حتى ترى وجهك"، وهي تتفاوض معه، تقايض غيابه بقصائدها "دعنا نقتسم المسافة/ ونسجل الخطأ ضد مجهول/ كلانا بريء/ وكلانا متهم". ورغم الخطاب الموجه له، هذا الغائب الذي تناجيه القصائد، إلا أن الشاعرة تمكنت من أن تأخذ من المباشرة إيجابيتها فقط، من دون أن تتسبب في الشعور بالملل، إذ ما يكاد القارئ أن ينتهي من التوقف أمام صورة إبداعية، إلا وتتلقفه الأخرى، محافظة رغم ذلك على صوت القصائد الهامس. "في قبضة المجري" ديوان شعري جديد يحلق متفرداً في البرية، باحثاً عن عذوبة الشعر، وإن كانت تسكن في ألم الفقد.