في يوم الاثنين الماضي وجّه مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية بمعالجة مشكلة الاحتكار ومراجعة نظام الوكالات التجارية ضمن تدابير عدة للتعامل مع الارتفاع الحاد في الأسعار. وقد كتبت منذ أسابيع مقالات عن دور الاحتكار وعلى وجه الخصوص الوكالات التجارية الحصرية في تفاقم مشكلة التضخم في المملكة العربية السعودية وفي منطقة مجلس التعاون بشكل عام. وسأخصص موضوع اليوم لمناقشة بعض الحلول لموضوع الوكالات. إن مراجعة قانون الوكالات التجارية خطوة في الاتجاه الصحيح للقضاء على جميع مظاهر الاحتكار التي تنشأ - دون قصد أحياناً - عن السماح بالوكالات الحصرية. ولا يكفي أن يسمح النظام بتعدد الوكالات من حيث المبدأ ثم يجيز التعاقدات الحصرية التي تتم بين الشركات المصنعة ووكلائها. بل يجب أن ينص القانون على منع تلك الاتفاقات ويُبطل أي شرط يلزم الشركة المصنعة بوكيل واحد أو اثنين أو أي عدد آخر محدد لأن السماح بذلك هو إخلال بمبدأ المنافسة. ولكن سن القوانين أو تعديلها لا يكفيان للقضاء على الاحتكار والممارسات التجارية الذكية التي تحد من المنافسة وترفع الأسعار، بل يتطلب ذلك الأمر متابعة ومراقبة دقيقة لأن الاحتكار كثيراً ما يتستر تحت أقنعة كثيرة يصعب كشفها. ويلزم لمكافحة الاحتكار أجهزة حكومية قوية مزودة بالكفاءات والصلاحيات والحصانات اللازمة لأداء هذه المهمة الصعبة. ولنأخذ عبرة من الدول الأخرى، فالولاياتالمتحدةالأمريكية أتت من خلفية وتقاليد ثقافية نقيضاً لمبادئها في الحرية الاقتصادية... إلى غير ذلك من الشعارات. ومع ذلك فقد بذلت جهوداً ضخمة - وما زالت - في مكافحة الممارسات الاحتكارية، وهي تكسب جولة وتخسر أخرى. ومن أهم المحطات في ذلك التاريخ صدور قانون شيرمان في عام 1890ولعله أهم تشريع تاريخياً في مكافحة الاحتكار، ولكنه لم ينجح في وقف الممارسات الاحتكارية وإن كان أوقف الأمثلة الصارخة منها، وأعطى الحكومة سلطة التدخل في حالة وجدت اتفاقيات مكتوبة يترتب عليها رفع الأسعار أو منع منافسين جدد من الدخول في السوق. وحين لم يردع قانون شيرمان الممارسات الاحتكارية، أصدرت الولاياتالمتحدة في عام 1914ما يُسمى قانون كلايتون الذي عالج الممارسات الاحتكارية الأقل وضوحاً مثل اتفاقيات "الموزع الوحيد" (وهي شبيهة بالوكالات الحصرية لدينا)، وحرّم معظمها. وفي نفس العام أنشأت الحكومة الاتحادية جهازاً رقابياً قوياً هو الهيئة الاتحادية للتجارة، وهي مؤسسة مستقلة احدى مهامها الأساسية مكافحة الاحتكار، ثم أنشأت في وزارة العدل قطاعاً كاملاً هو قطاع مكافحة الاحتكارanti-trust division. ويقوم هذان الجهازان على وجه الخصوص بمتابعة أي ممارسات غير مبررة تؤدي إلى تضييق فرص المنافسة. واقتداءً بالحكومة الاتحادية، أنشأت الولايات المختلفة أجهزة حكومية لحماية المستهلك تعالج الممارسات الاحتكارية على مستوى الولاية، وتتبع عادة مكتب المدعي العام في الولاية، مما يعطيها حصانة قضائية في حالة احتاجت إلى التفتيش والتحقيق في المخالفات. فكما ترى فإن مكافحة الاحتكار ليست بالمهمة اليسيرة لأن التعامل مع المصالح الكبيرة التي تدرها الممارسات الاحتكارية يتطلب رقابة في نفس القوة، ولنا أن نعتبر مع الدول الأخرى التي عانت من هذه الآفة. وأذكر أنه حينما رفعت الحكومة الأمريكية القضية المشهورة ضد شركة الهاتف ATT الاحتكارية الكبرى وجدت أن لدى الشركة من المحامين أكثر مما كان لدى وزارة العدل التي رفعت القضية. واضطرها ذلك - بعد مرور حوالي 11عاماً من التقاضي دون نتيجة - إلى القبول بتسوية خارج المحكمة تم بموجبها حل الشركة وتقسيمها إلى عدد من الشركات الأصغر حجماً بهدف تحقيق شيء من التنافس بينها.