بدأت وللأسف يظهر لنا بعض من تشوهاتنا الاجتماعية والأسرية على السطح في الآونة الأخيرة والمتمثلة في العنف الأسري الموجه ضد الأطفال. وما المأساة التي تعرضت لها الطفلة غصون التي ماتت تحت التعذيب وقبلها رهف التي تعرضت لعنف شديد وغيرهما من الأطفال اإلا مثال على ذلك. يعد العنف الأسري من اخطر مشكلات مجتمعاتنا المعاصرة ولكن المأساة تتمركز في ان العنف ضد الطفل يعد في عالم الظلام، حيث لا يعرف الكثير حتى اقرب الأقرباء عن الآباء الذين نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم وزرعت حقداً وكرهاً للأطفال. ان للطفل في الشريعة الإسلامية العظيمة حقوقاً واضحة معروفة اتى بها الشرع المطهر لحفظ كرامة الطفل وصونها وضمان نموه نفسياً واجتماعياً وجسدياً بالشكل الطبيعي. وضمنت المواثيق والمعاهدات الدولية عدة حقوق للطفل وضمنت احترام آدمية الطفلة والحفاظ عليه. مأساة العنف ضد الطفل ان الطفل لا يشتكي ولا يهرب ولا يقاوم فهو ضحية سهلة وميسرة في اي وقت يشعر الوالد في الرغبة في العنف او في حالة الانفعال او الغصب. والعنف ضد الأطفال لا يعلن ولا يعلم منه اكثر من 10% منه بينما 90% منه يظل في الكتمان داخل المنازل، هذا نتاج احدى الدراسات الغربية وأما في مجتمعنا العربي الذي تركز على مفهوم الأسرة والسلطة الوالدية فلا يعرف بالضبط كم نسبة العنف ضد الطفل. ان من اصعب الأمور في الحياة وجود ضحية متوافرة دائماً فهذا يوفر نافذة سهلة لإخراج افرازات الحياة المعاصرة والصعبة على الكثير، فتخرج على شكل عنف شديد ضد الطفل خاصة انه لن يبلغ الشرطة او الاقرباء انما يشكو ضعفه وقلة حيلته وهو انه لرب العالمين القادر على ان ينصر هذا الطفل الضعيف من هذا الوالد الجبار الظالم. وفي دراسة لكاتب هذه السطور حول العنف ضد الطفل تنشر قريبا - ان شاء الله - تبين ان عددا لا بأس به من اطفالنا يتعرضون للعنف من قبل الوالد خاصة، هذا العنف يأخذ عدة صور لعل اكثرها شيوعاً للأسف الضرب على مختلف انحاء الجسد، يليه العنف والضغط النفسي والتحقير ويليه منع الطفل من حقوقه في الترفيه واللعب والتسلية. وحتى يكون الضبط او التأديب نافعاً فهناك عدد من القواعد الذهبية وهي ان يكون التأديب صادراً من قلب شخص محب بعيداً عن الحقد والكره، وبعيداً عن الغضب وبعد استيعاب المبررات. ان من المآسي ان تكتشف بعدما عاقبت طفلاً انه مظلوم او انك مخطئ بهذا العقاب اذا يجب قبل العقاب التأكد من الخطأ وسماع مبررات الطفل لهذا الخطأ الذي ارتكبه. كذلك يجب ان تكون كمية العقاب مساوية او مقاربة للخطأ فالخطأ الكبير عقابه كبير والصغير صغير ونوعية العقاب موضوع في غاية الأهمية فلا يقتصر العقاب على الضرب فقط ولكن ان يحرم الطفل من لعبة او رحلة او زيارة او غيرها هي اكبر اثرا ويدوم تأثيرها لفترة اطول بكثير من الضرب حيث ان الضرب وقتي يشفي الوالد ولا يفيد الابن. كذلك يجب مراعاة الوقت بين الخطأ والعقاب فكلما طال الوقت بينهما نسي الطفل الخطأ وتذكر العقاب ويجب الربط بين الخطأ والعقاب وان تكون المدة الزمنية بينهما قصيرة ليكون اثرها اكبر. في الختام اتمنى فعلاً وجود جهات حكومية او اهلية او خيرية فاعلة تتولى حماية الأطفال من قساوة بعض الآباء الذين نزعت الرحمة من قلوبهم ويكون اكبر همهم تصفية حسابات بواسطة ذلك الطفل المسكين يجب ان يبعد الطفل عن تصفية الحسابات بين الآباء والأمهات ويجب ان يضمن له نمواً نفسياً وجسدياً واجتماعياً يفرض بقوة النظام ويجب علينا جميعاً كمجتمع حماية الاطفال ورعايتهم خاصة وان ديننا حث على الاهتمام بالطفل فهم اولا واخيراً للعقلاء المؤمنين زينة الحياة الدنيا كذلك ادعو ان نبتعد كمجتمع فاضل طيب عن تشغيل الأطفال. الطفل الصغير يجب ان يأخذ حظه من التعليم ويجب عدم اجباره على العمل مبكراً لأنه في هذا اهمال للدراسة وتضييع وبكل اسف لمستقبل هذا الطفل الواعد لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه. وأدعو الله ان يكون في موت الطفلة غصون التي انتقلت للدار الآخرة تشكو الى الله الواحد الأحد ظلم البشر خاصة اقرب الأقرباء اليها وتشكو اليه تعالى ايضا اهمالنا وانشغالنا نحن جميعاً كمجتمع عنها وعن قضيتها وعن امثالها لتكون حياة لنا جميعاً لنهتم بحماية الأطفال امثالها ورهف وغيرهما وان يحاسب كل من يثبت عليه عنف ضدهم حساباً عسيراً. وللأسف فلقد فتحت علينا غصون جراحاً لم نكن نرغب في فتحها اهمها اين جمعية حقوق الإنسان وأين الشؤون الاجتماعية عن قضيتها ومأساتها خاصة انهم عرفوا عنها بواسطة عم الطفلة بدون ان يكون لهم دور ملموس لحمايتها وإنقاذها من افواه هذه الوحوش الضارية. وغصون أيضاً يجب ان تكون درساً واضحاً لكل الجهات الأمنية والخيرية والجمعيات المهمة بحقوق الطفل والمرأة لإيجاد الحماية الاجتماعية لكل محتاج لها. وكلمة شكر للقيادة على تنفيذ حكم الله العادل في هذا المجرم وزوجته جراء خيانة الأمانة في هذه الطفلة الزهرة البريئة كان والدها يستطيع وببساطة تركها لدى والدتها او ايداعها احدى الدور الاجتماعية الإيوائية، فإقامة حد القتل على والد غصون وزوجته هذا القتل هو اقل بكثير مما قاما به تجاه هذه الطفلة. ولكن الحمد لله ان دم غصون لم يضع ولقد آن لك يا غصون يا صغيرتي ان ترتاحي في قبرك الصغير فلقد قام ولي أمرنا - حفظه الله - بالثأر لك ممن ظلمك وقهرك وآذاك وأذلك وضربك بكل طريقة وحشية وحيوانية وكسر يدك وأسنانك ونثر الحامض على جسدك الطري الصغير وصدمك بسيارته وربطك لعدة ايام بلا طعام وداس على رأسك الصغير بحذائه مراراً هو وزوجته التي لا تقل عنه عدواناً وظلماً لك يا صغيرتي. ولعل غصون الصغيرة البريئة وقتلها بهذه الطريقة الوحشية تقدم لنا دروساً بأننا كلنا كمجتمع قد اشتركنا في هذه الجريمة البشعة ضد الإنسانية وضد القيم والمبادئ والأعراف والدين اقلها الإهمال واللامبالاة فعذراً غصون ابنتي. ولله الأمر من قبل ومن بعد. @ أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك جامعة القصيم مستشار أمني