هناك بعض الأخبار العلمية التي يروق للحالمين استدعاء مضمونها ليتحركوا في أحلام اليقظة، فأتى الباب واسعاً ومذهلاً للاسترخاء في عوالم من اللامعقول اللذيذ.. في الأسبوع الماضي نُشر خبر نقلته وكالة علمية يقول بأن علماء متخصصين قد وصلوا نتيجة دراسات مستفيضة إلى أن عمر الإنسان سوف يمتد إلى المئات بدل العشرات نتيجة القناعة بأن بحوثاً على الخلايا والجينات ومحطات مشوار العمر نحو الهرم والعجز ثم الموت سوف يتم التعامل معها بالتجديد والاستبدال حتى يقفز الإنسان بعمره إلى أضعاف متوسطه الحاضر.. ثم يأتي خبر آخر يعلق فيه الفلكي الزعاق على ما سوف يؤدي إليه التكاثر الجليدي ثم الذوبان من نزوح الأمطار والمياه الجوفية نحو الجنوب مما سيجعل الجزيرة العربية أنهاراً ومواسم أمطار مستمرة وخضرة دائمة.. وأن هذه المرحلة قد بدأت لكن متى تصل إلينا هذا ما هو متروك للمستقبل.. لعل من المناسب أن نقرأ هذا التوقع شتاءً أما تحت وطأة شمس الصيف فإن واقع قسوة المناخ يؤكد لك أن هذا الحلم سوف تمر أجيال كثيرة قبل أن يتحقق.. بالنسبة لعمر الإنسان نحن نعرف أنه في السابق عندما كان متوسط عمره يقاس بالخمسين عاماً وما هو قريب منها في أفضل المجتمعات رعاية صحية لم تكن هناك انتشارات مخيفة لمرض السرطان.. وكان المصريون ومازالوا يطلقون على الانفلونزا كيفما كان عنف إصابتها باختصار «برد» وكان الجيل السابق من أهل الرياض يسميها «صدمة» والأكثرية تقول عنها «رشح» لتداخلها مع الالتهابات الأنفية بينما عرفت في السنوات الأخيرة «انفلونزا الطيور» القاتلة و«جنون البقر» وأخطر منهما «الإيدز» الذي في أحسن حالاته إذا لم يصبح قاتلاً فهو مزمن.. وقد تحدثت الأخبار الطبية عن توقع أن تحصد انفلونزا العام القادم من الناس ملايين وليس مئات آلاف لأن فيروسها قد طور قدرة مقاومته.. ثم وأهم من كل ذلك ليس بمقدور أي دواء أن يمنع قلباً من التوقف الفجائي أو الانهيار بنوبة نزيف في المخ.. الأعمار بيد الله دون شك لكن إذا أردنا أن نتجاوز تطور الأمراض ومفاجآت الجديد منها واعتبرنا أن انتشار الأنهار والاخضرار في الجزيرة العربية حلم لن يكون في مقدور جيلنا ولا الذي بعده أن يتطلع إليه.. وعندما يعايشه جيل في المستقبل البعيد فأرجو أن يهنأ باعتدال المناخ ولا يضيع الوقت في جدل لمحاولة فهم كيف يسمح للمرأة أن تبيع على الرصيف ولا يسمح لها أن تبيع داخل المحل التجاري.. سوف نتوقف عند مسألة مضاعفات عمر الإنسان.. من هو الذي سوف يتوفر له ذلك؟.. هل هم البلايين في الاكتظاظ السكاني وتدني مستويات المعيشة في وسط آسيا وشرقها كأندونيسيا والباكستان والهند والصين وتايلند والفلبين وأفغانستان وسيريلانكا وبنغلاديش.. أم الذين تصل فيهم إصابات الإيدز إلى ما يقارب الثلاثين في المئة داخل أفريقيا ويفتقد معظم السكان في القارة السوداء لأبسط متطلبات المعيشة والدواء ومواصلاتهم على الدواب.. أم هم من يماثل الآسيويين والأفارقة في أمريكا الجنوبية والوسطى ممن يسكنون الأرصفة ويموتون عليها؟! طبعاً كل هذه المجاميع التي تتجاوز الثلاثة بلايين من البشر مازالوا يحلمون بمتوسطات الأعمار عند الأوروبيين قبل مئة عام وأكثر وإذا حصل حلم سيطرة الإنسان على الخلايا والجينات فإن هؤلاء البلايين سيعتبرون كائنات دنيا متجهة بسرعة نحو الانقراض بينما سيعطي العلم والترف وقوة المال والسلاح للأوروبيين والأمريكيين فرصة فراغ الكرة الأرضية من هذه النفايات الباقية من عصور متخلفة.. مثلما نحن الآن نعايش قسوة ردود الفعل بين تنظيم القاعدة والحضارة الغربية.. فنخطئ تنظيم القاعدة في انتهاجه العنف بدلاً من الحوار.. ترى كيف سنتصور ردود الفعل بين بلايين مهمشة متروكة لمكنسة الموت تنظف الأرض منها وبين فوقية علمية وحضارية ربما كانت بعض وسائل الاقتتال ضدها تهريب فيروسات الأمراض وهو جهد محدود تماماً مثل تهريب المتفجرات.