أثنى معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية على الجهود المشهودة التي تبذلها مؤسسات الأمن العام وقياداتها في المملكة، منوهاً بجهود صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية وحرصه على تحقيق الأمن للوطن والمواطنين، ومتابعة برامج المؤسسات الأمنية العملية ومناشطها الثقافية التي تهدف الى توعية رجال الأمن بما يعينهم على تنفيذ مهامهم، مشيراً الى ان اهتمام سموه في تحقيق الأمن للوطن يعكس اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد - حفظهما الله -. جاء ذلك في المحاضرة الثقافية التي القاها د. التركي أمس في قاعة المحاضرات الكبرى في مدينة تدريب الأمن العام بالرياض وذلك بعنوان: الأمن الشامل ومسؤولية الجميع عنه، وقد قدم معاليه الشكر في بدء المحاضرة لسعادة العميد حسن بن محمد العسيري مدير ادارة التدريب بالأمن العام، وسعادة العقيد علي بن سعيد الغامدي، قائد تدريب الأمن العام في منطقة الرياض الذي كان في استقباله. وعرض د. التركي في محاضرته رؤية اسلامية تتضمن استراتيجية للأمن الشامل في المجتمع المسلم، وبياناً لضوابط المسؤولية الجماعية لتحقيق الأمن. وقد وضع د. التركي في بداية المحاضرة قاعدة ذات شقين الأول: ان الأمن من الموضوعات الجوهرية التي تشغل بال الناس، وتسترعي اهتمامهم، وهو قضية الساعة ومشكلة المشكلات، ومحور النقاش الإعلامي المتعدد، مما يدل على ان هذه القضية توسعت دائرتها في الحس الاجتماعي العام. والثاني: ان الأمن بشموليته يتصل اتصالاً وثيقاً بالمسؤولية الاجتماعية التي يتضامن فيها جميع الناس مشيرا الى ان للأمن في حياة الناس اهمية بارزة لا تحتاج الى ان يستدل عليها، فإن كل انسان يدرك هذه الأهمية ادراكاً فطرياً شعورياً، ويعبر عنها بعفوية وانسياب. وقال ان الوظيفة الأمنية تستمد قيمتها من قيمة الأمن نفسه، ذلك ان هذه الوظيفة هي الوسيلة التي تعدها الدولة لتوفير الأمن لأبنائها، وتوفرها لحماية المجتمع من الأخطار التي تهدده، ومواجهة المشكلات التي يمكن ان تخل به، فكل من كتب له ان يتجند للعمل في هذا المجال، ينبغي ان يثق بأن عمله عمل شريف - اذا تعزز بالإخلاص والجد والكفاءة - لا يقدر شرفه الا من يفكر في نتائجه الكبيرة العائدة على الجميع بالنفع والخير. وقال ان شمولية الأمن هي التي تقتضي التعاون في حفظه. وتحدث د. التركي عن اقسام الأمن مبيناً انه ينقسم الى انواع منها الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن السياسي، والأمن الفكري، والأمن الجنائي.. وهذا معنى الشمولية في الأمن واتساع نطاقه، وتوسع مجالاته لتشمل مختلف المصالح التي ترتبط بها حياة الناس الفردية والجماعية. ونظراً لكون الشريعة الإسلامية قائمة على مراعاة المصالح في مقاصدها، فإن علماء اصول الفقه بحثوا في تفاصيل هذه المصالح وتقسيمها وترتيبها وصلتها بالأمن، فأوضحت بحوثهم ان شمولية الأمن داخلة ضمن ما يسمى بالكليات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فإن حفظ هذه الكليات هو معنى الأمن الشامل، إذ لو فكر الإنسان في مختلف انواع الأمن، لوجد انها لا تخرج عن نطاق هذه الكليات التي تمثل دائرة للأمن الشامل، فكل انسان يسعى في هذه الحياة من اجل ان يكون آمنا على دينه، آمنا على نفسه وصحته وفكره، آمنا على اولاده وعرضه، آمنا على ماله ومعاشه.. ولما كان الأمن بمفهومه الشامل متعدداً متنوعاً في مجالاته، فإنه لابد ان يتعاون كافة ابناء المجتمع بعضهم مع بعض في تحمل مسؤوليته؛ تحقيقاً لقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان} (المائدة: 2). ولا شك ان الدولة هي المسؤولة عن تنظيم هذا التعاون، من خلال اجهزتها المختلفة، كالوزارات والمؤسسات التابعة لها، ولكن لابد ان يكون هناك تنسيق وتكامل بين المؤسسات الأمنية، وبين المؤسسات التي تعمل لمصالح اخرى، كمؤسسات التربية والتعليم والإعلام والدوائر المختلفة. وكذلك لابد ان يتعاون العلماء والباحثون والخطباء والدعاة والمثقفون، والشخصيات ذات التأثير الواسع، مع اجهزة الأمن، فإن لذلك اثراً كبيراً في نشر الوعي الأمني الصحيح وتوجيه الناس لكيفية التعاون الأمني العام في مختلف مجالاته. وأكد د. التركي ان تحقيق الاستراتيجية الأمنية في المجتمع يحتاج الى اساس هو التعاون، وقال: ان التعاون من اجل تحقيق الأمن الشامل الفردي والجماعي، بمختلف مجالاته، يعني ان تجتمع الكفايات وتتكامل الاختصاصات، لأداء رسالة واحدة، هي رسالة تأمين المجتمع ضد اي خطر محتمل يمكن ان يؤثر عليه تأثيراً سلبياً، وتمتد هذه الرسالة في جوانبها الوقائية بشكل اوسع من امتدادها في جوانبها العلاجية، وذلك يعني ان العمل في تحصين شبابنا ضد اخطار الغزو الفكري وضد اخطار المخدرات وضد اخطار الغلو والتطرف في فهم الدين والعمل به، هو اساس العمل الأمني الوقائي الذي يقلل من الجريمة ويخفف من اعباء الأعمال الجنائية، وكذلك إعداد البرامج التي تستوعب الشباب في خطط من التنمية الشاملة: تنمية الجوانب الخلقية والفكرية، وتنمية القدرات العقلية والمواهب والمهارات وتوجيهها نحو خدمة الوطن والمجتمع، وتكوين حس اجتماعي عام، يشعر بالمسؤولية نحو الأسرة والتربية والعناية بالأبناء والبنات، ومراقبتهم في تكوين افكارهم ونموهم المعرفي المبكر، والتعاون مع المدارس في ذلك، هو اساس المسؤولية في تحقيق الأمن الشامل لمجتمعنا.