لم يركض خلفي أحد... ولم يسهر ليلة البارحة معي أحد... فليس هناك من شعر بما شعرت به!!!... في بداية مساء البارحة أتوا إلي حاملين في ألسنتهم كلماتهم الكثيرة، تدفقوا على مجلسي وأسهب كل منهم بحديثه، تناثروا في البدء بأحاديث مغتصبة تحمل صيغة المجاملة، لم يشملهم الصمت كثيرا فكلماتهم لاتحمل صبرا، استمعت إليهم ولم أتفوه بكلمة واحدة، كلماتهم لاتعرف الجفاف، وحديثهم يبدوا في مسمعي صراخا لا أستسيغه أبدا، تركتهم يرتشفون قهوتي ويتناولون حبات التمر، هدأت الألسن قليلا بحثوا عني بين الوجوه وحينما وجدوني، استجمع أكبرهم كل الكلمات التي تختلف كثيرا عما تراشقوا به، وقال كلمات كثيرة رفضتها بداخلي وابتسم في ظاهري، شيء من التردد وعدم الاقتناع كان يتخلل في كلماته، شعرت أنها كابوس في داخلهم استجمعه هو ورماه في مسمعي، أنصت إليه، حتى انهارت كل كلماته التي أتت به وبهم إلى مجلسي، التفت إلى أحدهم، كان صامتا، في داخله احتجاج على كلمات قيلت ولو أمسك هو بمبادرة الحديث لقال نفس الكلمات!!!... ولكنه قطع لسانه لتتساقط كل الكلمات في داخله وتتأجج بها نظراته التي تنمي عن احتجاج أجده فيه ولا يختلف كثيرا عن الاحتجاج الذي أحمله في صدري، شملتهم جميعهم بنظراتي... أحدهم لم يكن موجودا ولكنه أرسل لنا جسده فقط!!! والآخر كان ينتظر ردة فعلي على كلماتهم ولم يجد شيئا!!! وأغلبهم يتمايلون بأجسادهم وهم ينظرون إلى مقبض الباب!!! كلهم دخلوا مجلسي، لم ينظر أحد منهم إلى اللوحات التي ابتعتها قريبا، كانوا يدركون فجوة ولا بد من سدها حتى لا تحسب عليهم في يوم من الأيام. وأخرجت كلماتي أمام دهشة من عيون وترقب من قلوب، كلمات كانت قابعة في سجن من صمت منذ زمن بعيد وقلت لهم: - سآخذ كلماتكم وأحيلها فعلا، سأعمل ماظهر في مجلس هذا ولكن قبل كل شيء، إذا وقفتم في موقفي هذا هل ستأخذون في وقفتكم هذه أفعالي التي أردتموها لي في جلستكم هذه؟!!!... لا أعلم لماذا شعروا أن الوقت قداأنسل من بين أيديهم وأن في خارج مجلسي أمورا كثيرة يريدون أن تنهى على أيديهم... لم ينبس أحد بكلمة، تداولوا فيما بينهم الصمت، وقفوا جميعا، صافحوني بعجالة، وخرجوا من مجلسي ونظراتهم تتمعن في خطواتهم!!!... عند الباب ودعتهم جميعا، وحينما ترجلوا في مركباتهم الكثيرة وغادروا وقوفها أمام جدار داري قلت لنفسي: «ليتهم لم يأتوا، ليتهم لم يقولوا تلك الكلمات، لقد خرجوا وأظن بداخل كل منهم صرخة مزعجة تنتشر في صدره كما هي الصرخة المزعجة التي تنتشر في صدري!!!».