المستفيد الأكبر من برنامج المصافحة الذهبية الجديد هو القطاعات الخدمية، لأنه سيخفض من التزاماته المالية، ويوقف وظائف البطالة المقنعة، والوظائف الهامشية التي تعتبر مصدراً للهدر المالي والبشري، والموظفون الحكوميون سيستفيدون من الحوافز المالية.. في بداية يناير أعلنت الحكومة السعودية عن برنامج اسمه المصافحة الذهبية، وهو يهتم بموظفي الأجهزة الحكومية، الأقل تأهيلا، وتحديداً من يشغلون وظائف حكومية مستهدفة بالإلغاء، ويحفزهم على الاستقالة الطوعية مقابل مكافأة مليونية لمرة واحدة، وبلا راتب تقاعدي، والسبب أن الزمن قد تجاوزها بفعل الأتمتة أو غيرها، والبرنامج مدروس بعناية على ما يبدو، لأنه لا يقبل إلا بمن استنفدوا خيارات الإصلاح الوظيفي، بالنقل أو الإعارة أو إعادة بناء المهارات، ولا يستقبل من وصلوا لسن التقاعد المبكر أو النظامي، وإنما الذين أمضوا في الوظيفة العامة أقل من 25 عاماً، وهؤلاء لن يعودوا إلى العمل الحكومي مجدداً إذا دخلوا في المصافحة، وبصورة تضمن خفض نسبة الوظائف السيئة، والتي قال عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في فترة سابقة، إنها تشكل ما نسبته 50 % من إجمالي الوظائف العامة، وأن سموه سيعمل على تقليصها، وسيرفع نسبة الوظائف الجيدة إلى 80 %. بالإضافة لما سبق سيخفض البرنامج مخصصات الرواتب والأجور في موازنة الدولة، وسيفيد في الإبقاء على الكفاءات الأفضل في العمل العام، ويعالج مشاكل تراجع الإنتاجية، ويحسن من الكفاءة التشغيلية والبشرية، وستستمر فترته الأولى لمدة ثلاثة أعوام ما بين 2025 و2027، وقد تم إقرار ميزانية خاصة به قدرها 12 مليارا و750 مليون ريال، أو ما يعادل ثلاثة مليارات و400 مليون دولار، وحصة العام الجاري من هذا الرقم، تصل لخمسة مليارات و500 ألف ريال، أو قرابة مليار و330 مليون دولار، ولكنه في نفس الوقت، وبحسب المختصين، سيؤدي إلى فجوة في المعرفة المؤسسية، سببها مغادرة الموظفين من ذوي الخبرة، ما سيربك سير العمل ويؤثر في جودة الخدمات، ولا بد من وضع ضوابط وشروط تكفل العدالة والشفافية في اختبار المستفيدين، وتحول دون تسرب أو تطفيش المؤهلين، وبالأخص من تم تهميشهم لأسباب شخصية ترتبط بقياداتهم. مؤشر (ميرسر) العالمي لأنظمة المعاشات التقاعدية في 2022، ضم 44 دولة تمثل ما نسبته 65 % من دول العالم، بالنظر لأفضلية أنظمتها التقاعدية، وجاءت المملكة في المرتبة 27، لأن خيارت التقاعد فيها تحتوي على ميزات جيدة، ومجموعتها تضم دول من نوع أميركا وفرنسا وهونغ كونغ، وربما ساهم نظام الاستقالة الاختيارية وما يشتمل عليه من حوافز، في ارتفاع ترتيبها على المؤشر اعتبارا من هذا العام، ونظام المصافحة الذهبية، استخدم في شركتي الاتصالات والكهرباء السعوديتين، وبمسميات مختلفة، من أمثلتها، الشيك الذهبي والمواءمة والعرض الخاص، وكلها عبارة عن مبلغ يعادل مجموع رواتب الموظف لمدة خمسة أعوام، وبحد أقصى مليون ريال، أو 375 ألف دولار، ويكون لمرة واحدة، ولا يتم إنهاء خدمات الموظف، إلا بعد قبوله العرض واستلامه المكافأة، والمصافحة لا تبتعد كثيرا. المستفيد الأكبر من برنامج المصافحة الذهبية الجديد هو القطاعات الخدمية، لأنه سيخفض من التزاماته المالية، ويوقف وظائف البطالة المقنعة، والوظائف الهامشية التي تعتبر مصدرا للهدر المالي والبشري، والموظفون الحكوميون سيستفيدون من الحوافز المالية، ومن فرص التدريب والتطوير المتاحة لهم، والمصافحة تقدم نموذجا متفرداً، لإعادة هيكلة القطاعات الحكومية المدنية، لأن الاستغناء عن الموظفين في أوروبا وأميركا، يتم بدون توفير دعم مباشر، أو تمويل لفاقدي الوظائف، بخلاف مستحقات الضمان، التي تصرف لمن لا يعملون، وهذه لا تصل لمستوى الكفاية فيما يتعلق بالتعويض المالي. الموظف العام الذي يخرج بالمصافحة الذهبية، يمكنه العمل في القطاع الخاص، والحصول على مبلغ تقاعدي من التأمينات الاجتماعية، بعد تقاعده في سن الستين، إلا أن عداد أعوام الخدمة سيتم تصفيره، والمعنى أن الخدمة الحكومية القديمة لن تدخل فيه، والإشكالية في طريقة تعامل البرنامج مع أصحاب الوظائف المستهدفة بالإلغاء، ممن لديهم التزامات بنكية، أو قروض طويلة الأجل، خصوصا وأن انتظار سداد مديونياتهم بالكامل، سيعطل خطة الإلغاء والإحلال الوظيفي، إذا كانت أعدادهم كبيرة، وما دامت لائحة البرنامج التنفيذية لم تصدر، فالأنسب وضع السابق في قائمة أولوياتها. المختصون يرجحون تركيز المصافحة على قطاعات حكومية معينة في بدايتها، وتحديداً التي لديها كثافة عالية من الموظفين، كالتعليم العام والجامعات والقطاع الصحي، وبحيث تعطى الفرصة لإعادة هيكلتها وتطويرها، بما يتناسب والظروف المستقبلية، وتقدر أعداد موظفي القطاع العام في المملكة، بنحو مليون و200 ألف موظف، باستثناء القطاع العسكري، وذلك وفق أرقام مؤسسة التأمينات الاجتماعية لعام 2024، والدولة تنفق حوالي 40 % من إجمالي موازنتها على الرواتب وتعويضات العاملين، أو ما قيمته 544 مليار ريال، وهو يزيد على 145 مليار دولار، والمبلغ عال عند مقارنته بأعداد الموظفين العامين، والمطلوب على الأقل استثماره فيما يعود بالمنفعة على العمل العام، لأنه وطبقا لكلام القيادة السعودية، فما يتم صرفه على الوظائف السيئة، يقدر ب272 مليار ريال، أو 72 مليارا و500 مليون دولار.